فيلم.. مسلسل.. أغنية
بعيدًا عن قصة الحب التقليدية في فيلم (الوردة البيضاء) لعبد الوهاب فإن هناك ورودا أخرى تحمل الدعاية بدلًا من الأشواك، ففي فيلم (الوردة السوداء) يسافر الضابط الروسي إلى لوس أنجلوس للتحقيق في جريمة قتل فتيات روسيات ليكتشف أن القاتل ضابط أمريكي مريض نفسيًا.. الفيلم يحمل رسائل تمجد روسيا على حساب أمريكا، فقائد الشرطة الأمريكي يُشيد بصرامة الضابط الروسي وتنفيذه لمهامه ببراعة فيقول (يبدو أن روسيا أصبحت الآن أمريكا، وأمريكا أصبحت تشبه الاتحاد السوفيتي) وهي عبارة تجعل الفيلم الروسي/ الأمريكي المشترك بمثابة دانة مدفع متجددة تطلقها روسيا كلما شاهد أحدهم الفيلم الذي تم إنتاجه منذ ثلاث سنوات.
مع اختلاف الهدف فإن الفيلم نموذج آخر من أفلام هوليوود التي صنعت بطولات "المارينز" على الشاشة فرسختها في عقول المشاهدين حول العالم حتى انطبعت عن الجيش الأمريكي صورة ذهنية إيجابية تعكس القوة والتفوق والكفاءة قبل إطلاق رصاصة حقيقية واحدة.
والصورة الذهنية هي الانطباع الراسخ في الذهن عن أمر ما، وتشكله طرق مختلفة أهمها وسائل الإعلام والفن وتتمثل أهميته في تكوين الرأي العام وتوجيهه.
ولأن الصورة الذهنية تمثل المحرك في سيارة يستقلها الجمهور ويحدد من خلالها مواقفه تجاه الجميع لذا أصبح من الضروري لجميع الشخصيات العامة والشركات والمؤسسات والحكومات والدول بأكملها دراسة الصورة الذهنية السائدة عنها تمهيدًا لوضع إستراتيجية لإدارتها بشكل يصنع مواقف داعمة ومناصرة لها تحقق أهدافها سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو تجارية وغيرها.
وفي حالة الدولة فإن دور الفن لا يتوقف عند صناعة صورة ذهنية تحمي مؤسسات الدولة من الإساءة أو الحملات الإعلامية المضادة ولكن للأمر أبعادًا اقتصادية مهمة يمكن ملاحظتها في العديد من النماذج استعرض منها نموذجين.. أولهما: الدراما التركية التي صنعت حالة من الشغف لدى بعض القطاعات لزيارة الدولة بعد مشاهدتهم للمناظر الخلابة والمدن العصرية التي يتم تصديرها في المسلسلات بدلًا من تصدير العشوائيات والكوارث والبلطجة وكأن مرآة الفن في مصر أصبحت تتعمد انتقاء كل ما هو قبيح.
والنموذج الثاني: أغنية "ديسباسيتو" التي حققت مليارات المشاهدات عبر الإنترنت لتساعد اللقطات الخلابة للمعالم السياحية في بورتوريكو، والتي ظهرت في الأغنية، في زيادة أعداد السياح ومساعدة اقتصاد الدولة.
نمتلك فرصا ضخمة لحماية مؤسسات الدولة من الحملات الإعلامية المضادة وإعادة الاعتبار لها وبناء رأي عام داعم لمواقفها بجانب تحقيق عوائد اقتصادية من تنشيط السياحة وتشجيع المستثمرين على القدوم بعد أن نكون قد مهدنا الأرض بالفعل لاستقبالهم وفق منظومة متكاملة تضمن النجاح، ولكن يبقى من الضروري دراسة الصورة الذهنية الحالية للدولة ومؤسساتها المختلفة ثم العمل على تطويرها وإدارتها بجانب استخدام الفن في صناعة دانات مدافع نطلقها لتحسين صورة الدولة.