كيف نصنع الإرهاب (2)
ذكرنا في المقال السابق أن الإرهاب ليس ظاهرة جديدة كما يدعي البعض لأنه ظهر مع ظهور الإنسان على الأرض، وشهد التاريخ على أمثلة كثيرة ومرعبة في كثير من الأحيان لإرهاب الدول والجماعات والأفراد، وأن الاستخدام السياسي للإرهاب هو الذي جعل الدول تختلف حول تعريف محدد له، حيث تسعى الأنظمة السياسية إلى توظيف الإرهاب سعيا لتحقيق المصالح.
وقد ارتبط الإرهاب المنظم في منطقة الشرق الأوسط ببدء محاولات إقامة دولة يهودية في فلسطين، والتي بدأت في السنوات الأولى من القرن العشرين بتشجيع هجرة اليهود إليها، وبعد أن تكونت المستعمرات الأولى بشراء الأراضي في البداية، إلا أنه سرعان ما بدأ التوجه إلى تخويف أصحاب الأرض للحصول على الأراضي بأسعار أقل، ثم للاستيلاء عليها دون مقابل بعد مغادرة سكانها، وسرعان ما تكونت عصابات الهاجانا والشتيرن والأرجون زفاي، وعملت على بث الرعب في قلوب السكان لدفعهم إلى مغادرة الأرض، وارتكبت مذابح لقرى بأكملها، ومن أشهرها دير ياسين، ونجحت تلك السياسة بل أصبح أعضاء العصابات فيما بعد من أهم رجال الدولة الصهيونية، كموشى ديان، وإيريل شارون، ومناحم بيجن.
لن أخوض في تاريخ الصراع العربي الصهيوني في فلسطين، لكن نجاح الإرهاب في الوصول لأهدافه والاستيلاء على الأرض وإعلان الدولة الصهيونية في فلسطين جعل القتل والترويع هو اللغة المستخدمة في المنطقة وغير شكل المقاومة إلى الأبد، انتشرت عمليات الاغتيال وخطف الطائرات والبشر، وأثرت في كثير من الأحيان بالسلب على صورة المقاومة في المجتمع الغربي خاصة العمليات التي استهدفت مدنيين، وأشهرها اختطاف وفد إسرائيل في الدورة الأوليمبية بميونخ 1972 والذي أسفر عن مقتل 11 من أعضاء الوفد الإسرائيلي و5 من الفلسطينيين الخاطفين وشرطي ألماني، وكانت تلك العملية بمثابة الزلزال الذي هز العالم، وذكره بمأساة فلسطين، وفي الوقت نفسه استغله الصهاينة لصالحهم بشكل كبير، وبدؤا في تكوين فكرة الإرهاب الفلسطيني ونشرها في العالم كله.
ومع الخلل الرهيب في موازين القوى بين الفلسطينيين والإسرائيليين كانت العمليات الفدائية والاستشهادية هي الخيار الوحيد للمقاومة، إلا أن استهداف المدنيين في بعض هذه العمليات، وسقوط ضحايا من الأطفال وكبار السن في بعضها منح إسرائيل السلاح الذي تستخدمه آلتها الإعلامية لوصف تلك العمليات بالإرهابية، وعلى المستوى العالمي فإن الحادي عشر من سبتمبر 2011 كان نقطة فاصلة في تاريخ علاقة العالم بالإرهاب.
فبعد قيام مجموعة من المتطرفين المسلمين من أصول سعودية والمنتمين إلى تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في ذلك الوقت باستخدام طائرات مدنية اختطفوها وغيروا مسارها في توقيت متزامن لضرب برجي التجارة العالمية بنيويورك ومبنى البنتاجون، بينما تم إسقاط طائرة أخرى كانت متوجهة لضرب البيت الأبيض بواشنطن، قام الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في ذلك الوقت بدعوة دول العالم لمشاركته في الحرب على الإرهاب، معتبرا أن من لن يكون معه فهو مساند للإرهاب، وأطلق اسم محور الشر على ثلاث دول العراق وإيران وكوريا الشمالية، رغم عدم وجود أي علاقة بينها وبين هجمات الحادي عشر من سبتمبر، مدعيا أنها دول راعية للإرهاب!
بدأت الولايات المتحدة في ضرب أفغانستان مكونة تحالفا دوليا الغرض المعلن له هو مكافحة الإرهاب، وتم إسقاط حكومة طالبان برئاسة الملا عمر، ووضعت حكومة جديدة موالية لها برئاسة حامد كرازي، ولم يتم القبض على بن لادن أو أي من قيادات تنظيم القاعدة في أفغانستان، واستغرقت عملية البحث عن أسامة بن لادن نحو تسع سنوات حتى تم اغتياله في باكستان في يوليو 2010.
استخدمت الولايات المتحدة في الحرب التي أعلنتها ضد الإرهاب كل أنواع الأسلحة، وقبضت على الآلاف من المتهمين، وقامت بتعذيبهم بطرق وحشية في أماكن كثيرة من العالم، خاصة قاعدة جوانتانمو العسكرية الأمريكية في كوبا، وتم إرسال الكثير من المتهمين إلى بلدان معروفة باستخدام التعذيب ليتم استخدامه لاستجواب المتهمين فيها، وتم التغاضي عن كل القوانين وحقوق الإنسان في سبيل الوصول للمعلومات.
وبدأت الهجمات الإرهابية تضرب أوروبا بعنف، وتعرضت عواصم أوروبية مثل لندن وباريس ومدريد وبروكسل لهجمات أدت إلى وقوع مئات الضحايا، وتعرضت مدن أوروبية كثيرة لهجمات أخرى استغلت الولايات المتحدة الحرب المعلنة على الإرهاب في تحقيق مصالح سياسية لم تكن لتتحقق دون غطاء مثل الحرب على الإرهاب، حيث بدأت مباشرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر بالتخطيط لغزو العراق، وفعلت ذلك خارج نطاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، عندما لم تستطع أن تقنع روسيا والصين بالأدلة التي ساقتها حول وجود برنامج سري للأسلحة النووية في العراق، وهي الأدلة التي ثبت فيما بعد أنها ملفقة، وأن الهدف الأساسي كان السيطرة على منابع النفط في المنطقة.
وأدت الحرب في العراق إلى سقوط ما يقارب المليون شخص بين قتيل وجريح، أدت الحرب على الإرهاب إلى نتائج عكسية فلم يعد العالم أكثر أمنا بل زاد الشعور بالخوف، وزادت الإجراءات الأمنية بشكل غير مسبوق، حتى أصبحت تتعارض مع الحياة الطبيعية في كثير من الأحيان، وانتشر الفكر المتطرف في جميع أرجاء المعمورة، وأصبح خارج نطاق السيطرة الفعلية، ولم يعد من السهل أين أو متى أو كيف تكون الضربات الإرهابية... وللحديث بقية في الأسبوع المقبل إن شاء الله.