افتي لي شوي شوي.. افتي لي وخد عينيّ!
هل مشكلة بلدنا ومجتمعنا والناس في توفير مصدر محترم لإصدار الفتاوى، أم المشكلة في أن أصبح بداخل كل واحد منا نحن التسعين مليونًا تسعين مليون مُفتي، كما هو بداخل كل واحد منا نحن التسعين مليونًا تسعين مليون مُدرب كرة، وبداخل كل واحد منا برضه تسعين مليون سياسي، وتسعين مليون خبير استراتيجي وأمني، وتسعين مليون طبيب ومهندس وشيف وكهربائى وموظف خدمة عملاء إنترنت من اللى بيقول إن دايمًا الحل في إننا نفتح الراوتر ونقفله تانى؟!
ربَّك والحق المُشكلة ليست في تقديم فتوى محترمة يتم نشرها عبر أكشاك متخصصة في محطات المترو، لكن المشكلة في توجيه الناس للحصول على الفتوى المحترمة بعيدًا عن أماكن نشر الفساد الفكرى، والمبادئ الإرهابية التي تحض على العنف والقتل وإسالة الدماء تحت راية الدين.. يعنى إيه؟ يعنى بالبلدى عاوزين الناس تلجأ فعلًا لمتخصصى الفتوى ـ المُحترمين المصونين في أماكن تليق بهم وبما يقدمونه للمحتاج ـ مش يلجئوا للى يريَّحهم!
بمعنى أن الحرامى محتاج يلجأ لواحد يريَّحه ويقول له إن السرقة مش حرام طالما كان المجتمع كافر، ده لو فكَّر يلجأ لواحد مفتى أصلًا ولم يلجأ لنفسه ويستفتيها فتفتيه أن السرقة حلال ويريَّح ضميره، يعنى المشكلة في تشكيل وعى سليم وصحيح وصحى لناس أكل عليهم الدهر وشرب وعمل حاجات مش تمام، بعدما تُرِكوا سنوات طويلة في قبضة قنوات وبرامج مضللة وتافهة، كل شغلتها تهرى وتنكت في كلام فاضى زى مدى حرمانية النوم على سجادة إيرانى بدون عقد شرعى، أو تسأل عن الدعاء الواجب قبل ركوب السيارة، أهو دعاء السفر أم دعاء النكاح!
قبل أكثر من 15 عامًا بدأت القنوات الفضائية الخاصة في الانتشار، وعلى رأس المنتشرين كانت برامج الفتوى، مذيع غير متخصص يستضيف متخصص أو غير متخصص في الفتوى، ويستقبل التليفونات والرسايل، والناس قاعدة في بيوتها أو على القهوة وبتسأل زى ما تحب على الشاشة، وأذكر إن المذيع (أحمد عبدون) كان من أوائل الناس اللى عملوا برامج زى دى على قناة (دريم) الزرقاء، أيام ما كان فيه حمراء كمان، ونقل لضيفته أستاذة الشريعة سؤالا من زبون أو زبونة "هل يجوز للزوج إلقاء المنى على صدر زوجته؟!"
الدكتورة انتفضت ورفضت الإجابة عن السؤال كونه سؤالا وقحا، لا يفرِق دينيًا كثيرًا أو قليلًا، مؤكدة أنه مقزز ومقرف، لكن المذيع اتشعبط في السؤال المصيرى السُخن، وتمسَّك بحق الزبون في العبث؛ لأن الزبون دايمًا على حق طالما دافع الڤيسيتا في الزيرو تسعمية، وهكذا كانت الأسئلة الاستسهالية المُبتكرة اللى أخدتنا في سكة تهريج وقلة أدب بعيدًا عن الدين والأخلاق مع بعض طالما الأمر سهل، وطالما بإمكانك استحضار الشيخ أو مصدر الفتوى على الهواء مباشرةً بهذه السهولة، وتطلب فتوى توصل لك وإنت قاعد مكانك أسرع من أسرع دليفرى في مصر سواء كنتاكى أو ماكدونالدز أو الرايق الكفتجى!
يعنى انتشار أكشاك توزيع الفتاوى في محطات المترو والأتوبيسات وتحت الكبارى، بدلًا من أكشاك السجائر واللبان والجرائد لن يفيد، بالعكس سيقلل من قيمة الفتوى أكثر وأكثر، والمطلوب بالعكس هو رفع تلك القيمة، ومنح الفتوى حصانة من العبث والعابثين، سواء ممن يصدرها، أو ممن يطلبها، يعني المفروض نعمل على تنمية وعي الناس، ونخليهم يطلبوا فتاوى يكونوا بحاجة إليها بالفعل، عن طريق تنويرهم وتثقيفهم أولًا، ووقتها الواحد من دول هيقطع مسافة مشى أو جرى من القاهرة لإسكندرية بحثًا عن فتوى تطمئن قلبه بالفعل، مش تنقيبًا عن هزار وتهريج وسفاهة وسطحية وتسالي!
الفارق هائل بين تقديم الفتوى والسلام لأى واحد معدى من قدام الكشك وافتكر فجأة إنه مسماش قبل ما يمضغ اللبانة، أو إن بنت عمة مرات أخو خالة البواب بتاع عمارتهم ولدت ولد، والولد دة نزل برجله الشمال من بطنها بدل ما ينزل باليمين، وبالتالى يتصرَّفوا إزاى؟ وإيه الحل؟ يعملوا كفَّارة وخلاص، واللا يرجعوا الواد بطن أمه ويطلبوا منه ينزل باليمين؟!
يا أسيادنا الفتوى مطلوبة محدش يقدر ينكر، ومواجهة ومجابهة أصحاب الفتاوى الدموية والمتخلفة لا يتأتى إلا بتنمية وعى الناس، لا بتقديم الفتاوى لهم بشكل رخيص وسهل، يخليهم يستسهلوا ويسوقوا فيها لا مؤاخذة، المطلوب نوعى الناس بنوعيات الفتاوى، وأهميتها، وإيه المفروض يفكروا فيه ويعملوا له اعتبارا، وإيه المفروض يتجاهلوه على طريقة علم لا ينفع وجهل لا يضر، مش نساعدهم على هذا الإسهال الإفتائي، ونرجع نقول ياريت اللى جرى ما كان، خصوصًا بعدما يتم الرد على أكشاك الفتوى الرسمية في المترو بأكشاك أو محال أو "فتوى ستورز" في أماكن أخرى، وكل واحد يفتى على الجنب اللى يريحه!