قانون الإرهاب
كنت أقرأ كتابًا شهيرًا في علم الاجتماع اسمه "قواعد المنهج في علم الاجتماع" للفيلسوف الفرنسي "إيمل دور كايم" وفي إحدى صفحات الكتاب قفزت لعيني سطور استوقفتني قال فيها هذا العالم: "لا يمكن أن تبحث ظاهرة اجتماعية دون أن تربطها بباقي الظواهر في المجتمع"، وضعت تحت هذا السطر خطًا بالقلم الأحمر، ثم كتبت على جانب الصفحة "ظاهرة الإرهاب" وفي أسفل الصفحة كتبت: هل الإرهاب مرتبط بظاهرة الجهل؟ والفقر؟ تركت الكتاب وعدت بذاكرتي لأفراد جماعة الإخوان الذين يعتبرون الإرهاب دينًا، معظمهم ينتمي للطبقة الوسطى في المجتمع، وبعضهم من كبار الأثرياء، وكلهم جامعيون، أطباء مهندسون محامون، أساتذة جامعات، أصحاب شركات!
استكملت قراءة الكتاب فإذا بسطر آخر يقتحمني قال فيه الفيلسوف: "ليس بالاستطاعة تغيير طبيعة هذه الظواهر إلا بمعرفة القوانين التي تخضع لها" إذن للإرهاب قانون، ومعرفة هذا القانون هي التي ستيسر لنا كيفية المواجهة، ولا يمكن للفقر أن يكون هو قانون الإرهاب؛ لأن أثرياءً كبارًا هم رموز للإرهاب، ولا أظنكم تنسون "أسامة بن لادن" و"خيرت الشاطر" وغيرهما، وكذلك الجهل ليس هو القانون، ولا أظنه يغيب عنكم أن رموز الإرهاب معظمهم من الأطباء والمهندسين وأساتذة جامعات، الفقر والجهل قد يكونان أدوات لاكتساب أنصار للإرهاب، ولكن القانون غير الأداة، القانون في حالتنا هذه هو "المُنتج الفكري" الذي يتم تمريره للجميع فقيرهم وثريهم، عالمهم وجاهلهم على أنه هو الدين، القانون هو "نشر العقيدة المشوهة" عن طريق السلفيين وخطباء المنابر التي ينعقون بها منذ سنوات بعيدة، فيتلقاها الكل على أنها صحيح الدين وما هي كذلك؛ ولأن العقيدة المشوهة سادت وتسيدت أصبح العارفُ يخاف أن يواجهها حتى لا يدوسه المجتمع الذي آمن بهذا الفكر المريض.
ولكن كيف نواجه هذا القانون؟ لا شك أننا ألقينا على عاتق الأمن فوق ما يحتمل، والآن آن للمجتمع بأسره أن يواجه المنظومة الفكرية للإرهاب، كلنا مسئول، الأحزاب والجمعيات والوزارات والتعليم والإعلام والصحافة، والدولة نفسها ينبغي أن تصل للأحياء والأزقة والقرى في كل أنحاء مصر لتخاطب الجميع وتقتحم عقول الشباب بأسلوب علمي يشترك في إعداده خبراء النفس وعلماء الاجتماع بفروعه وعلماء الدين المستنيرون، أما خبراء الإعلام فينبغي عليهم ابتكار وسائل تأثيرية في عقول الجماهير والشباب منهم خاصة، ولو اقتضى الأمر أن نستعين بخبراء عالميين في مجالات "البرمجة الذهنية" و"إدارة العقلية الجمعية" فلنفعل، فنحن نحتاج إلى وضع خريطة عقلية للشباب مُختلفة عن تلك الخريطة التي صنعتها لهم التيارات السلفية والإخوانية والداعشية والقاعدية عبر عقود طويلة، فأصبح الواحد منهم مجهزًا لتنفيذ ما يؤمر به معتقدًا أنه ينصر الله وينتصر للإسلام، ليتنا نتحرك ونتوقف عن النواح واللطم.. فالأمر جد خطير، ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.