حرب العصابات العربية
على الإنترنت مجانًا عشرات الألعاب عن حرب العصابات العربية لنشر نفوذ اللاعب خلال العالم المظلم بطريقة مثيرة، تبدأ من عصابات القبعات السوداء وشخصية فقيرة وبتكتيكات العصابات تصبح تلك الشخصية فاحشة الثراء، وذلك بأن يصبح اللاعب قاتلا محترفا في تكوين العصابات والاندماج مع إصابات أخرى لتكوين إمبراطورية المافيا، واللعبة تبرر القتل والسرقة والنهب والتخريب وتدمير الأعداء، وبعد أن حققت اللعبة إقبالا رهيبا تم تصميم عدة حروب وهي التمهيد الذكي لعصابات تعمل باسم الدين أو باسم الوطن أو بأي اسم آخر في أكبر بيزنس للكراهية، باستغلال ظروف الفوضى، وحالات عدم اليقين في الأنظمة وفشل السياسيين والإعلام في تسويق الحقائق..
ورغم وجود تلك الألعاب على مواقع الإنترنت لم ينتبه لها أحد؛ لأنها جزء من صناعة الاٍرهاب التي يتكسب منها سياسيون وإعلاميون ورجال دين وأجهزة مخابرات كثيرة، وللأسف يسير خلفهم ضحايا من كل لون وجنس، خاصة أن تلك الألعاب مصممة لتخاطب غرائز وطموحات أجيال محرومة من المشاركة في أي شأن وطني، ووسط تلك الأجواء وخيبات الأمل وتهميش المشاركة لم يكن غريبًا أن تجد شباب في عز حيويته يبيع أحلامه ومستقبله للفاشيين من الدواعش وأخواتها التي تخوض في المنطقة أكبر حروب للعصابات في التاريخ، بهدف استنزاف الجيوش والموارد لأطول فترة زمنية ممكنة ريثما يتحقق المشروع الصهيوني، ولا تتوقف تلك الحروب إلا بعد أن تترك المدن الزاهرة حطامًا وخرابًا كما حدث في البصرة والرقة وتكريت، وكل موطئ تسللت إليه تلك العصابات..
ومن اللعبة إلى الواقع هناك عشرات المواقع التي تعلم كيفية العمل والقتال وتصنيع المتفجرات والمواد المستخدمة وطرق التخفي والتجنيد والتمويه والتكتيكات في السرية والإغارة وعدم التكرار والنمطية عند تنفيذ العمليات وطرق التحرك بالتفصيل.. والأخطر أنها تشرح بالتفصيل الممل أرخص الطرق لصناعة القنابل الحارقة بالوزن والكيفية والبدائل المتاحة، وتوصي تلك المواقع بأن تضم تلك العصابات كل من لديه خبرة سابقة في الأمن والتجسس، وربما تكون "داعش" هي النموذج الفاحش لحرب العصابات التي ظهرت في البداية لمقاومة المحتل بين تشكيلات صغيرة مسلحة وقوات نظامية، كما فعل الإسبان لمقاومة نابليون وإزعاجه وإنهاكه..
وهي في تعريفات أخرى الحرب السياسية ضد القوة العسكرية وربما كان جيفارا هو من أصل لحرب العصابات في كتابه، ولكن بشرط توفير البيئة الحاضنة الشعبية من نبل الأهداف الوطنية، ومثل تلك الحروب الاستنزافية هي التي أوصلت "ماوتسي تونج" إلى السلطة في الصين، ومكنت الفيتناميين من هزيمة الأمريكيين، وعلى نفس النهج سار الراحل "فيدل كاسترو" ورفاقه حتى دانت لهم السلطة في كوبا، وعلى هذا النهج سار كل الثوار في أمريكا اللاتينية واتبعها حزب الله ضد إسرائيل، ولكن شتان بين هدف المقاومة النبيل والإرهاب والخسة والتفحش لمصاصي الدماء من الدواعش وأنصارهم الذين استخدموا الجانب السيئ فيما ذكرناه عن قصة حرب العصابات..
تلك كانت مقدمة مختصرة عن الحرب الشرسة التي تخوضها مصر منفردة ضد أشباح داعش، ومن المعلوم أن الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق واليمن تشكلت لها تحالفات دولية من عدة دول وأساطيل وميزانيات عسكرية مفتوحة، ولكن مصر تخوض تلك الحرب الشرسة منفردة ويمنعها كبرياؤها الوطني والعسكري من مجرد التلميح بالمساعدة.
غير أن تكتيكات عملية مربع البرث الأخيرة تعد أكبر بكثير من "داعش" وإمكاناتها وخاصة في تفصيلات التنفيذ من تلغيم الطرق لقطع الطريق على الإمداد والمساعدة والعدد المهول من دانات الآر بي جى والمدافع المضادة للطائرات تحسبًا للطائرات و١٥ سيارة دفع رباعي، إضافة لسيارات الانتحاريين، أي أن هناك أجهزة مخابرات واستطلاع وتمويل كبير وتخطيط ليس لداعش قبل به، وأكبر بكثير جدا من حروب العصابات المحدودة، خاصة بعد دحرهم في الموصل واختفائهم دون أن نرى جثثهم وكأنهم انتقلوا بطواقي إخفاء من هناك لسيناء، وإذا كانت تلك الحرب أكبر من داعش فهي بالتأكيد أكبر من جنرالات المقاهي ولواءات فيس بوك وحريم الكافيهات في التحليل والنقد الاستراتيجي؛ لأن مصر في معركة شرسة تخوضها منفردة وإذا لم نستطع الانتصار لشهدائنا فلا أقل من عدم المشاركة في لغو الحديث.