بالصور.. «قنا العتيقة» أول وثيقة تؤرخ زراعة الأفيون في الصعيد
على مر العصور والأزمنة، عرفت محافظة قنا منذ بداية العصر الحجري وحتى العهد الحديث، إلا أن الكثير يجهل تاريخها طوال تلك الحقب التاريخية، فهناك شواهد تؤرخ لأحداث شهدتها قنا، وهناك بعض الرحالة الذين ذكروا بعض تلك الشواهد ومنها الرحالة العثماني أوليا جلبي في عام 1675 ميلادية ووصفها في كتابه بأنها مدينة فتحها عمرو بن العاص وبعد عمرو وفي خلافة سيدنا عثمان بن عفان كان محمد أبو بكر واليًا على مصر وقدم إلى قنا وجعلها عاصمة للخلافة الإسلامية وأصبحت هذه المدينة فيما بعد تسمى بسلة الغلال نظرًا لقربها من ميناء القصير وهو ما دفعهم وقتها لإنشاء قلعة بالقرب من هذا الميناء، ومنذ ذلك الوقت حظيت قنا بزيارات كبار التجار وبنيت في تلك الأثناء أكثر 4 وكالات و20 مسجدا بينهم مسجد لعمرو بن العاص أقامة وجدده الأمير حسن أغا سنة 1079 هجرية، و7 تكيات ومدرستين و10 كتاتيب للصبيان.
قنا العتيقة
قال المؤرخ التاريخي ضياء العنقاوي، إن قنا عاصرت على مدار العصور العديد من الدويلات منها الطولونية والفاطمية والمملوكية والعهد العثماني وذكرها المقريزي في كتاب "المواعظ والاعتبار في الخطط والآثار.
وكشف العنقاوي عن آخر دراساته التي تتناول قنا بصعيد مصر بين الثبات والتغير، وتضم تلك الدراسة 6 أبواب تتناول التاريخ والجغرافية والقبائل والوظائف التي كانت موجودة في العصور الماضية وخاصة في عهد الخديو محمد علي، خاصة أنه كان من مشجعي المكتشفين الأوربيين على البحث في المنطقة الصحراوية الشرقية تجاه قفط وقنا وقوص فأنشئت حركة البحث عن المعادن النقية، وانطلقت البعثات الجيولوجية في صحراء قنا الغربية والشرقية، وعثر وقتها على معدن البرام "القدور" ومعدن الزمرد وغيرها من المعادن النفيسة.
وأشار إلى أن الحكومة المصرية منحت وقتها امتياز استخراج خام الفوسفات من جبال سفاجا والقصير لشركتين إيطاليتين وفي عام 1942 زارها الملك فاروق.
وأكد العنقاوي على أن قنا تقدمت في السنوات الماضي ببحث يؤكد أنها مدينة ذات طابع إسلامي قديم، ووقتها رحب المسئولون بالفكرة إلا أن هذا الأمر أصبح طي النسيان، مطالبًا بإحياء هذا الطلب الهام لهذه المدينة التي لم تحظَ بحقها تاريخيًّا حتى اليوم.
من ناحيته قال الدكتور عباس منصور رئيس جامعة جنوب الوادي: إننا سنقدم مزيد من العطاء ونبذل قصارى جهدنا لكي تحظى قنا بمكانتها التاريخية وندعم أي مشروع يؤكد ذلك.
وأشار الدكتور أبو الفضل بدران نائب رئيس الجامعة إلى أن المحافظة تمتلك تراثًا ثقافيًا يجهله الكثيرون ونأمل أن يحمل المستقبل تحقيق أحلام أبنائها لتصبح مدينة تاريخية عريقة ذات طابع إسلامي، خاصة أنها تمتلك جميع المقومات لهذا الأمر.
العصر الفرعوني
حظيت قنا في العصر الفرعوني بكثير من الأسماء التي بدأت باسم "شابت" وتحولت في العصر الروماني إلى "كن" بمعني الحصن وبوليس أي المدينة التي يحتضنها النيل أما اسمها القبطي "قونة" وفي العهد العربي "اقني" وازدهرت في هذا العهد بسبب طريق التجارة بين قفط والقصير وقوص أيضًا عن طريق صحراء عيذاب.
وفي العهد العثماني وقعت ضمن ولاية جرجا في الفترة من 1192 هجرية و1778 ميلادية وفي عام 1184 هجرية و1770 ميلادية زارها الرحالة جون انتيس وذكرها في كتابة "مذكرات رحالة عن المصريين وعاداتهم وتقاليدهم في الربع الأخير من القرن الثامن" وأكثر الأشياء التي لفتت انتباهه هو صناعة الأواني الفخارية، ووصفت قنا في الحملة الفرنسية بأنها مدينة صغيرة على ضفاف النيل وهي ملتقى القوافل التي تضطلع بتجارة القصير".
محمد علي
قال المؤرخ ضياء العنقاوي فه دراسته، إن محمد علي باشا زار قنا في عام 1241 هجرية و1825 ميلادية، وأمر بإبطال اسم ولاية جرجا واستبدالها بكلمة مأمورية واستقلال قنا لتصبح مأمورية مستقلة بذاتها وجعل عليها محرم بك أغا واليًا عليها، وعند زيارته لقبر سيدي عبد الرحيم القنائي أمر بإنشاء عدد من المباني فوق القبر وأمر وقتها بعمل تعداد لكل سكانها ووقتها كان العدد 27 ألف و478 نسمة والمنازل المسكونة 2716 منزلًا.
وأضاف أن ميدان شارع المحطة عرف بميدان الملكة فريدة وكانت المساكن كلها بالطين وشارع الجميل وكانت الأبنية مطلية بالزيت وكانت مبانيه لا تتعدى دورين فقط وبها شرفة "ترسينة" حتى ميدان سينما فريـال "ميدان الساعة حاليًا" ومع بداية انحصار الفيضان، سمي بشارع البحر وأقيمت على جانبيه عدد من القصور والفيلات على الطراز الإيطالي في العشرينات والثلاثينيات ومن أهم تلك القصور قصر إسحاق بك ومرقص بك وعبيد وجرجس بك وكامل بك تادرس وفهيم حنا المحامي، وأغلبها للأسف يتعرض لهجمة شرسة من قبل تجار الآثار.
وأنشئت مدينة قنا على تل وتقع بعيدة عن مياه الفيضان، ولا تزال بقايا المدينة القديمة موجودة في الجزء الأوسط وهي منقطة السوق الفوقاني وبني حسن وأحياؤها القديمة مثل حي السهريج الذي يحتفظ باسمه دليلًا على أثار المياه التي كانت تحيط بالمدينة في موسم الفضيان، وبني كبار الوجهاء والإشراف والتجار وملاك الأراضي الزراعية بيوتًا كبيرة اتسمت أغلبها بالطابع الإسلامي في طراز معمارها وكانت في الغالب من دورين أو 3 فقط وكل دور به باب مستقل وبداخل المنزل فناء صغير سماوي مكشوف يسمى "صحن البيت" يستخدمه لأغراض مختلفة.
وكانت تلك البيوت عريضة لتحمل بنيان المنزل ولتجفيف آثار الحرارة والبرودة من الطين أو يحرق ليكون طوبا أحمر، ومنها بيوت بني حسن وكانت موجودة حتى عهد ليس ببعيد، وحتى بداية القرن الماضي كانت تلك العائلة تسكن في حيز عمراني واحد يسمى "البوابة" وهو ما يسمى في الحجاز بالحوش وكانت تبنى داخل سور البوابة ما يمس العزلة وهو معزول بجميع مرافقه وتطل عليه السباطة وهي السقيفة التي بها حائطين، وسمتي تلك البوابة بعدة أسماء منها بوابة البسطة والكيلاني وعبد القادر ومع التطور واستقرار الأمن هدمت تلك البوابات التي كان يختبئ بها بعض اللصوص وقطاع الطرق وفللو العسكر والهاربين من المماليك، خاصة بعد تفتيت الملكية.
حواري قنا
وكانت الحواري القديمة عبارة عن مناطق سكنية توجد بها العديد من الشوارع من حيث بدايته ومسارها ونهايته علاوة على الأزقة التي تفرعت منها وبنيت فيها الأسبلة والخانات والأضرحة والكنائس والكتاتيب والدواوين.
وفي قنا كان يوجد 10 حارات هما المصلبية وهريدي والنقيب والمعصرة والحلوي وبني حسن والصايدين "السهريج" والجامع "سيدي عمر" وميدان المديرية، وكوم عنبيس وتوابعها كانت عزب حامد ومهنا والشيخ منصور وصالح طياب ونجع النحال ونجع السيد عبد الرحيم.
وكانت حارة هريدي أشهر تلك الحارات التي تبدأ مطلع الجامع العتيق وآخر امتداد الحمام القديم حتى تلتقي بشارع بحي البلد وكان يسكنها قديمًا القضاة والمأمور، تليها حارة الأنصاري نسبة للشيخ الأنصاري قرطبي الأصل ولد بقنا ونشأ بها حتى أصبح شيخًا تقيًا ومنسكان هذه الحارة منزل عنق أحمد وأبو زيد بصري وعبد الرحيم قرقار ومحمد عمر وعلي إسماعيل فندي ومحمد إسماعيل فندي ومحمد حسن قللي ومحمد عمر حمدان وعلي طليب وحسن عبد اللاه.
يهود قنا
وكان يعيش في قنا العديد من اليهود الذين كانت لهم حارة تسمى على اسمهم ويعيش بها منزل تاخوم عبد السيد وشرحبوش بسادة وغيرهم ومن الطريف أنه كان يسكن إلى جوارهم بني حسن جهة الشيخ فتحي والشيخ حسنين محمد مخلوف رئيس المحكمة الشرعية الكلية بقنا سنة 1340 والذي عين مفتيًا للديار المصرية وتوفي عن عمر يناهز 127 عامًا بمكة المكرمة، وفي آخر الحارة جامع أبو سلمى وهو من أقدم المساجد وعلى امتداد هذه حارة سوق الذهب الذي لا يزال موجود حتى الآن.
ونهايتها تقع حارة النقيب نسبة إلى مسجد سيدي عبد الرحيم القنائي وتقع بداية المنطقة المرتفعة التي تصلنا إلى مرتفعات قنا القديمة ومن تلك الحارة كان يخرج نقباء مسجدي القنائي راكبًا حصانًا لتبدأ مظاهر الاحتفال بالمولد في موطب بالمشاعل الموقدة وماتبع ذلك من مظاهر.
ومن أشهر تلك البيوت بحسب تعداد النفوس الذي حصلت "فيتو" على صور منه منازل نقباء السيد وهم محمد كمالي وعبد الرحيم زارع ومحمد أحمد النقيب ويوسف بقا وسالمان الحاوي وأبو طالب بكير وفي أوائل القرن العشرين كانت توجد محال الصياغ أشهرها بادير خليل وخليل محمد وزكي عبد النور وشفيق لوندي.
وحارة كوم عنبيس وكانت معظم أراضيها لمراد محسن العنقاوي وكان يسكنها حسين حسنون وبريق وحسن النمر وعبيد الله تادروس وجرجس بطرس وعبد الملاك حنا وكانت بها شجرة لبخ زهرتها صفراء ذات رائحة وناعمة الملمس وكان الناس يعرفونها باسم "ذقن الباشا" كثيرة الفروع والأغصان وعلي امتدادها يوجد درب السبيل نسبة إلى السبيل والمسجد والديوان الذي أنشأهم السيد محمد بكري جودي أمام منزله ولا يزال موجدين حتى اليوم.
وحارة المصلبية والتي عرفت بالقيسارية وهو مصطلح غير عربي ويقصد به السوق الصغيرة لبيع سلعة معينة وتوجد بها وكالات أبو السرور وسعودي ويعيش بها أحمد الدقيني ومحمد موسى سعودي وحسين عمر زين وعمر الخضري وعمر مهدي والخواجه عيسى وولده إبراهيم، وموجودة حتى الآن المصلبية.
مساجد قنا القديمة
يوجد بقنا عدد من المساجد ذات الطابع الإسلامي حتى أطلق عليها مدينة المآذن لما تحويه من مآذن تاريخية، ومنها مسجد القنائي والعتيق ومسجد السوق الفوقاني والحلوي وسعودي وسيف الدين وأبي سلمة وسيدي عمر والعمري بدشنا وهمام بفرشوط وجودي وبلبص وبحسب تقرير صادر من مجلس الوزراء في عام 2002 فإن عدد المساجد بقنا 2519 والكنائس 80، فضلا عن وجود 10 زوايا أشهرها زاوية الكيلاني، وأبو الحسن وأبي سلمة، وهناك المقامات الشهيرة الموجودة بقنا وهي للسيد عبد الرحيم القنائي وأبو الحسن الصباغ ومصطفى المنفلوطي وعبد الله القرشي والشيخ فتحي.
و يوجد بقنا 3 حمامات وهي حمام شارع سيدي عمر والمقام على الطراز العثماني القديم، وحمام الحارة القديمة وحمام آخر ورد ذكره في حجة مؤرخة لعام 1233 هجرية و1818 ميلادية، ويوجد بالمدينة ما يقرب من 5 أربطة وهم أبو يحيى بن شافع وإبراهيم بنا أبي الدنيا والأنصاري والرضي وأبي الحسن، فضلًا عن وجود عدد من الأسبلة لسقاية المواطنين ومنها سبيل جودي.
ويوجد بها العديد من الفنادق التي كانت تستقبل القادمين إليها خاصة بعد بناء ميناء القصير ومنها "بالاس" واللوكانة الوطنية ولوكانة المحطة ولوكاندة إسكندر سعيد، والحجاج وهو كان مخصص لاستقبال الحجيج فقط، ولوكاندة الجبلاوي، ويوجد بقنا شيئًا كان يسمي القشلاق وهو مبنى أثري يقع في آخر شارع 23 يوليو للعساكر كانت بجواره مستشفى وتكية.
قصور قنا
وفي قنا كان يوجد قصران كبيران بناهما فاضل باشا مدير قنا سنة 1275 هجيرة و1858 ميلادية في عهد الخديو سعيد، وهدما سنة 1405 هجرية و1984 ميلادية وكان مقر لمديرية الأمن.
القصر الأول كان مكتبا للمدير ووكيل المديرية وبه المحكمة الشرعية ومقر لرؤساء المصالح الحكومية، والقصر الثاني كان يشغله مجلس المديرية تحول حاليا إلى فناء واسع لسيارات الشرطة وكان القصران تابعين للشرطة وتم هدم الكثير من هذين القصرين ليتحول إلى مديرية الأمن الحالية في عام 1990.
وكان في قنا يوجد بيت المال في ميدان عرف بساحة بيت المال وهو المكان الذي أعد لحفظ الأموال الخاصة بالزكاة ومواريث المسلمين والغرامات والمصادرات وكان يتولى إدارة الأملاك استادار.
زراعة الأفيون
واشتهرت في قنا زراعة الأفيون عام 1925 وكانت مرخصة من وزارة الداخلية، ووضعت الحكومة المصرية وقتها عدة بنود لزراعة الخشخاش بالمدينة، طبقًا للمادة 30 من نفس القانون، وفيها يحق للمزراع بيع المحصول الخاص به وقتما شاء، وقدم الأهالي مظلمة وقتها فحواها أنه يوجد بقنا ما يقرب من 12 ألف فدان مزروعة خشخاش تقدر بمليون جنيه وطلب الوفد أن تمهلهم الحكومة وقتًا لتصريف زراعاتهم التي كانت قبل صدور القانون.
وحصلت "فيتو" على نسخة من هذه الأوراق التي تؤكد بنود نصوص القانون والمظلمة التي تقدم بها مزراعو الأفيون في قنا للحكومة المصرية.
قبر يوشع
الجميع عند سماع تلك الكلمة يعتقد أنه يوجد ضريح للنبي يوشع في قنا إلا أن هذا الضريح نسبة إلى عبد الشافي ابن الشيخ بن الربع وأمه شعثة بنت أحمد أخت السيد عبد الرحيم القنائي التي قدمت معه من المغرب عام 559 هجرية و1163 ميلادية وقد نعته خاله القنائي بيوشع لأنه كان ضخم الجسم طويل القامة ومنه تسمية المسجد كما يقال له "ليشعا" وكانت له علوم واسعة وتزوج ولم ينجب حتى توفي في رمضان بقنا عام 600 هجرية وله مقام ولقب "ولي الله يوشع".
تحول قنا للعصر الحديث
في عام 1275 هجرية و1858 ميلادية انتشر وباء الكوليرا في الحجاز ووصل إلى مصر عن طريق البحر من القصير وتم عمل حجر صحي لمدة 40 يومًا وأقيم ما يسمى "بالكرانيتية" لحجر المشتبه بهم في المرض، وجاء إلى قنا العديد من الأسر ذات الأصول غير المصرية وأقاموا وتزوجوا مع الأسر المصرية وتحولت قنا إلى ملتقى للشعوب العربية والإسلامية، إلا أنها في العصر الحديث تم هدم وإنشاء العديد من تلك المباني القديمة والميادين حيث تم توسعة ميدان محطة القطار وأصبح ذا حدائق وتم توسعة العديد من الميادين القديمة وحصل أصحاب المباني في تلك المناطق الكثير من الأموال خاصة المنازل التي كانت مقامة على الطراز الإيطالي والتركي والروماني والفيكتوري وعندما ردم خور قنا في عام 1986 أنشئ العديد من المباني نوادي ومصالح حكومية ومرافق حديثة.