ساعة لقلبك

في هذه الأيام نفتقد الكتابات الساخرة التي كان يتميز بها نخبة من الكتاب المصريين، أنظر حولي فلا أجد شبيهًا لأحمد رجب، ولا وريثًا لكامل الشناوي، ولا قريبًا من محمود السعدني، ولا مبدعًا كمحمد عفيفي، نفتقد نوادر الشيخ عبد العزيز البشري، ومقالب محمد البابلي، ودعابات عبد الحميد الديب، وسرعة بديهة حافظ إبراهيم، وليس من حولنا من الساخرين إلا بعض أشخاص عاشوا على الاقتباس من إبداعات الأولين، فإذا عنَّ لأحدهم أن يكتب من قريحته جادت قريحته بسخافات ثقيلة الظل، وتظل سخريات الأولين هي الأعلى قيمة والأخف ظلا..

فلننظر مثلا إلى كامل الشناوي الكاتب والشاعر الموسوعي، وقد أوتي من كل علم سببا، ولعلك يا صديقي لا تعرف أنه كان يخرج السخرية من بطن الألم، هو المحب الذي أحب حتى أفناه حبه، هو الشيخ الأزهري الذي خلع العمامة وأصبح أفنديًا ومارس الصحافة فبلغ قمتها، هو الشاعر الذي لا مثيل له، هو من غنى له عبد الحليم حافظ وعبد الوهاب وفريد الأطرش، هو ذلك الساخر الذي كان يخاف من الليل فيظل ساهرًا حتى الصباح مع رفاقه، ثم سخر الليل منه فمات في رابعة النهار عند العصر والشمس تنير الدنيا! كتب مرة عن المذيعة الرقيقة سلوى حجازي: من شدة أدبها ورقتها إذ فتحت درج مكتبها.. دقت عليه قبل أن تفتحه، منتهى الأدب، وكتب عن الموسيقار محمد عبد الوهاب إنه: لا يكذب ولا يقول الحق!

وكان كامل مدعوًا ذات ليلة إلى حفلة زفاف، فأخذ المطرب يعزف على القانون عزفًا مزعجًا، فنادي صاحب الحفلة، وقال له: إيه الحكاية؟ أنت جايبنا هنا علشان نسمع عزفا على قانون العقوبات.

وقصد كامل الشناوي مرة قصر القبة، فأمر الملك فؤاد بأن يتناول الشناوي الطعام على المائدة الخاصة في القصر، وكان الأكل شعبيًا جدًا وقليلًا، فلما فرغ سأله الملك ملاطفًا: لعلك انبسطت يا كامل فرد عليه بسرعة قائلًا: تمام يا جلالتك كأني والله في بيتنا، وكتب مرة عن سوء حظ شاعر البؤس عبد الحميد الديب أنه من شدة سوء حظه اصطاد أبو قردان فوجده أبو قرد واحد!

وكان أحد كبار أهل أسيوط من عائلة "خشبة" وهي عائلة عريقة ينتمي معظم أعيانها لحزب الوفد، وكان كامل الشناوي معارضًا لحزب الوفد إذ أنه انتمى للحزب الوطني ـ القديم ـ وفي أحد الأيام تقابل مع "خشبة" باشا برفقة بعض السياسيين، فقدموه للشناوي فقال لهم أنا عارفه وعارف أنه يتيم الأم والأب، فقالوا له: وكيف عرفت ؟! قال: أصله مقطوع من شجرة!