الإدارية العليا تلغي قرار الاتصالات بفرض لائحة جزاءات على شبكات المحمول
قضت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود رئيس مجلس الدولة، بإلغاء قرار وزارة الاتصالات بفرض لائحة جزاءات على شبكات المحمول.
وأعلنت المحكمة في أسباب حكمها في أسباب حكمها برئاسة المستشار محمد مسعود وعضوية كل من المستشارين أحمد الشاذلى والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وسامى درويش ومبروك حجاج (6) مبادئ للتشريعات واللوائح غير المعروضة على قسم التشريع:
-أولها عرض التشريعات واللوائح على قسم التشريع وجوبى لتحقيق الأمان القانونى وعدم عرضها يؤدى إلى بطلانها.
-ثانيها أن العبرة ليست في وجود التشريع وإنما في فاعلية التشريع وقدرته على التعايش بسلامة الأساس وصحة المضمون.
-ثالثها أن عدم عرض التشريعات على قسم التشريع يؤدى إلى عشوائية التشريع ويصبح معوقًا للاستقرار الداخلى وعقبة في سبيل التطور الاجتماعى والنمو الاقتصادى، وعامل طرد للاستثمار الخارجى.
-رابعةا أن مراجعة التشريعات عمل فنى لايقدر عليه طبقًا للدستور إلا أهل الخبرة والتخصص من رجال مجلس الدولة لتمتعهم بالاستقلال عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، لتُجرى المراجعة بحياد وتجرد بعيدًا عن الضغوط أو الإملاءات أو غيرها من أمور قد تؤثر في سلامة إعداد مشروع التشريع.
-خامسها أنه لا وجه للاحتجاج بأنه لا بطلان إلا بنص ذلك لأن تلك القاعدة تخص الإجراءات في القانون الخاص، ولا تسرى في مجال القانون العام، لأن الإجراءات في القانون العام إنما شرعت لتحقيق المصلحة العامة، لا مصلحة خاصة.
-سادسها أن رقابة المشروعية سابقة على رقابة الدستورية وقد تغنى عنها ولا إلزام على المحكمة إذا تبين لها عدم مشروعية اللائحة أن تحيل الدعوى إلى الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية اللائحة فلكل نطاقها
وقالت المحكمة إن الدستور الحالى نص على اختصاص مجلس الدولة بمراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية بموجب المادة (190) منه كما أنه وفقًا للمادة ( 63) من قانون مجلس الدولة فُرض التزام على عاتق السلطة التنفيذية بمراجعة مشروعات القوانين التي تقدمها إلى مجلس النواب واللوائح التي تختص بإصدارها.
كما يلتزم مجلس النواب بإحالة مشروعات القوانين والاقتراحات بقوانين بعد انتهاء لجان المجلس من عملها في شأنها، وموافقة المجلس عليها في مجموعها، وقبل أخذ الرأى النهائى عليها إلى قسم التشريع لمراجعتها.
وأضافت المحكمة إن التشريع مظهر من مظاهر سيادة الدولة، تفرضه مقدمًا لتحدد به السلوك الواجب الإتباع، وتتدخل لتنفيذه جبرًا عند مخالفته.
ويشكل القواعد الأساسية التي يطبقها القاضى وهو يفصل في المنازعات بين الأفراد أو بينهم وبين جهة الإدارة، ومن عناصر الأمان القانونى أن يكون التشريع الذي يصدر ويُطبق صحيح الأساس، سليم المضمون، مفهوم المعنى فلا يجوز أن يصدر قانون يخالف الدستور، فالدستور هو القانون الأعلى في الدولة، وتحظر مخالفته، أو تعطيل أحكامه أو تقييدها بتشريع أدنى، وكل قانون ينطوى على عيب من ذلك يهوى في هاوية عدم الدستورية.
وأوضحت المحكمة أن الأمر يقتضى مراعاة سلامة التنسيق بين القوانين حتى لا تتضارب أو تتعارض أحكامها عن غير قصد، ويجب أن تدرس عند إعداد مشروع القانون آثاره بعد صدوره على القوانين القائمة، وما إذا كانت أحكامه تتضمن إلغاء ضمنيًا لنصوص وردت في قانون آخر، أو تقييدًا لعموم تلك النصوص، وما إذا كان من الملائم أن يصدر مشروع القانون كقانون مستقل أم أن يصدر تعديلًا لقانون قائم لضمان أن لا تتعدد القوانين المنظمة لمشروع واحد.
كما أن سلامة القوانين التي تصدر تقتضى عند إعداد مشروعاتها التأكد من استيفاء جميع الإجراءات التي نص الدستور على ضرورة إتباعها كأخذ رأى الجهات التي أوجب الدستور أخذ رأيها في مشروعات القوانين الخاصة بها أو المتعلقة بمجال عمل تلك الجهات.
ولا يجوز أن تتضمن اللوائح أو القرارات الإدارية ذات الصفة التشريعية ما يخالف أحكام الدستور أو القانون والنصوص الواردة في القوانين واللوائح تتضمن خطابًا من الدولة إلى من تطبق عليهم القوانين واللوائح، ويتحملون واجب احترامها وعدم مخالفتها، وإلى رجال الإدارة المكلفين بالتدخل لتنفيذها عند وقوع أية مخالفة لأحكامها، وإلى القضاة المكلفين بالفصل في المنازعات القضائية التي تثور بسبب مخالفة تطبيق أحكام القوانين واللوائح.
التشريع يشكل أول وأهم مصادر القانون التي يرجع إليها القاضى عند الفصل في الدعـــاوى، فيجب أن يكون التشريع – قانون ولائحة – واضحًا، ومفهومًا، وقابلًا للإدراك، لا يشوب ألفاظه غموض، ولا يضيع معناه بين ألفاظ غامضة أو تعبيرات فضفاضة، لا يتحقق معها يقين، ويتعين أن يكون الشخص العادى قادرًا على أن يدرك بيسر ما إذا كان من المخاطبين بالتشريع من عدمه، وإذا كان مخاطبًا به أن لا يشق عليه معرفة مجال نفاذه، والواجب المطلوب منه القيام به أو السلوك المهنى عن إتيانه، وأن يسهل على رجل الإدارة فهم التشريع ليتولى تطبيق أحكامه على من يخالفه.
كما أن سن التشريعات ليس غاية، وإنما يُسن التشريع ليطبق، والعبرة ليست في وجود التشريع وإنما في فاعلية التشريع وقدرته على تحقيق الأهداف المرجوة من تطبيقه، والتشريع الذي لا تتوافر له سلامة الأساس وصحة المضمون، أو الذي توضع فيه الألفاظ في غير مواضعها، وتختلط فيه المعانى تنتج عنه حالة من عدم الاستقرار التشريعى، تتزعزع معها الحقوق.
ويفتقد الأشخاص الأمان القانونى، ويخسر المواطنون حقهم في التوقع المشروع الذي يمكنهم من تنظيم حياتهم وحقوقهم وأوضاعهم في ظل نصوص تشريعية صحيحة، وثابتة نسبيًا، وليست عرضة للحكم بعدم دستوريتها إذا تعلق الأمر بقانون، وبعدم المشروعية أو عدم الدستورية في حالة اللوائح وغيرها من القرارات ذات الصفة التشريعية.
كما أن سلامة التشريع وانضباطه وفقًا للأصول الواجبة الإتباع من عناصر كفاء النظام القانونى، تؤدى إلى استقرار المجتمع والدولة، وتضفى حالة من الثقة بين الأشخاص داخل الدولة، تمتد إلى الأجانب المتعاملين مع الدولة إذا كانت ترغب جذب الاستثمار الأجنبى، أو تشجيع التجارة الدولية.
أما إذا سادت عشوائية التشريع وعدم مراعاة أصوله، فإن ذلك ينعكس سلبًا على المجتمع في العلاقة بين أفراده، أو بينهم وبين الدولة، ويصبح التشريع معوقًا للاستقرار الداخلى، وعقبة في سبيل التطور الاجتماعى والنمو الاقتصادى، وعامل طرد للاستثمار الخارجى، وحجر عثرة في سبيل زيادة مساهمة الدولة في النشاط التجارى الدولى.
واستطردت المحكمة أنه لا يجوز لجهة الإدارة أن تمتنع عن مراجعة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية، لأن هذا الإجراء تقرر للمصلحة العامة، لتحقيق مصلحة المخاطبين بالتشريع ومن ينفذونه من رجال الإدارة، ومن يطبقونه من رجال القضاء، لتصدر التشريعات منضبطة بالضوابط اللازمة لسلامتها، وصحتها ووضوحها وحسن صياغتها، ومراجعة التشريعات عمل فنى لايقدر عليه إلا أهل الخبرة من رجال القانون.
واختص الدستور والمشرع مجلس الدولة بهذا العمل وحده دون غيره لتوافر الخبرة والتخصص في أعضاء مجلس الدولة، ولتمتعهم بالاستقلال عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، لتجرى المراجعة بحياد وتجرد بعيدًا عن الضغوط أو الإملاءات أو غيرها من أمور قد تؤثر في سلامة إعداد مشروع التشريع.
ويترتب على ذلك أن اللوائح والقرارات الإدارية ذات الصفة التشريعية التي تصدر دون استيفاء مراجعة قسم التشريع لها قبل الإصدار تكون قد صدرت باطلة وغيـر مشروعة لعيب في الإجراءات تمثل في إغفال الإجراء الجوهرى المنصوص عليه في المــــادة ( 190 ) من الدستور وفى المادة ( 63) من قانون مجلس الدولة
وأضافت المحكمة أنه لا يحاج في هذا الشأن بأنه لا بطلان إلا بنص ذلك لأن تلك القاعدة تخص تطبيق الإجراءات في مجال القانون الخاص، ولكنها لا تسرى ولا محل لتطبيقها في مجال القانون العام، لأن الإجراءات في القانون العام إنما شرعت لتحقيق المصلحة العامة، لا مصلحة خاصة.
وقدر الدستور والمشرع أن اتباع إجراء مراجعة التشريعات قبل إصدارها من شأنه تحقيق سلامة التشريع لضمان عدم خروج القانون على الدستور، وعدم تجاوز اللائحة الدستور والقانون، ولضمان تحقيق الأمان القانونى، وكفاءة النظام القانونى الذي يحمى التوقع المشروع وغير ذلك من أهداف سلف تفصيلها فاللوائح والقرارات التنفيذية، وما يدخل عليها من تعديلات يجب عرضها كلها على قسم التشريع بمجلس الدولة ليتولى صياغتها القانونية، وأن عرضها على ذلك القسم ليس فحسب إجراء واجبًا، بل هو أيضا إجراء جوهرى، وأنه يتعين لذلك القول بأن جزاء الإخلال بهذا الإجراء الجوهرى هو البطلان.
كما أن رقابة المشروعية تمتد لتشمل مدى احترام اللائحة للقوانين كافة بما فيها الدستور، وقواعد الدستور هي أعلى وأولى القواعد القانونية التي يجب على جهة الإدارة احترامها عند إصدار اللوائح أو القرارات ذات الصفة التشريعية وعدم مخالفتها بنص في اللائحة أو القرار، أما بالنسبة للرقابة على دستورية اللوائح من حيث النصوص التي يرجع إليها عند الرقابة ؛ فإنها تقتصر على بحث مدى موافقة اللائحة أو مخالفتها لنصوص الدستور فقط، ولا تمتد رقابة الدستورية إلى مدى احترام اللائحة أو مخالفتها للقوانين، فهذا الأمر يدخل في حدود رقابة المشروعية لا رقابة الدستورية.
وإذا ثبت لمحاكم مجلس الدولة عدم مشروعية لائحة أو نص فيها عند الطعن لوقف تنفيذها وإلغائها فإنها تقضى بوقف تنفيذها أو بإلغائها بحسب الأحوال، أما المحكمة الدستورية العليا في رقابتها على دستورية اللوائح فلا تقضى بوقف تنفيذها، وإنما إذا ثبت لها عدم دستورية لائحة أو نص فيها فإنها تقضى بعدم الدستورية.
وإذا كانت رقابة المشروعية ورقابة الدستورية قد تتلاقيان من حيث الأثر المترتب على الحكم بالإلغاء وعلى الحكم بعدم الدستورية لمالهما من طبيعة عينية، إلا أن كلتا الرقابتين تظل محتفظة بدائرتها المتميزة وطبيعتها الخاصة، ولا تختلط إحداهما بالأخرى.
وأوضحت المحكمة أنه إذا عرض أمر وقف تنفيذ أو إلغاء قرار فردى أو لائحى على محاكم مجلس الدولة وانتهت إلى عدم مشروعيته وكان سند عدم المشروعية هو مخالفة نص ورد في الدستور، وقضت بوقف التنفيذ أو الإلغاء، فلا يعنى ذلك أنها أخضعت القرار الإدارى الفردى أو اللائحى لرقابة الدستورية.
ولا تكون قد أنشأت لنفسها اختصاصًا جديدًا،كما أنها بذلك لم تتصد ولم تفصل في مدى دستورية القرار المعروض عليها، ولم تعتد على اختصاص المحكمة الدستورية العليا، فرقابة المشروعية سابقة على رقابة الدستورية وقد تغنى عنها إذا طعن في اللائحة في الميعاد وتبين للمحكمة عدم مشروعيتها، وتصبح رقابة الدستورية احتياطية، ولا إلزام على المحكمة إذا تبين لها عدم مشروعية اللائحة أن تحيل الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية اللائحة.
ومن موجبات رقابة المشروعية على القرارات الإدارية سواء أكانت فردية أو لائحية التأكد من مدى احترامها للقانون وعدم مخالفته، ونصوص الدستور هي قمة قواعد القانون، وأعلى ذُراها، والقول بأن على محاكم مجلس الدولة عند مباشرة رقابة المشروعية على اللوائح والقرارات ذات الصفة التشريعية أن تخرج نصوص الدستور من دائرة القواعد القانونية التي يجب على اللوائح احترامها وعدم مخالفتها لأن المحكمة الدستورية العليا فقط هي المختصة بكل مخالفة للدستور هو قول ظاهر الخطل، جلى الخطأ، ويشكل ازدراء للدستور، وانتقاصًا من مضمون رقابة المشروعية، والتي تبقى في النطاق المرسوم لها دستوريًا وقانونيًا ضمن ولاية محاكم مجلس الدولة.
وانتهت المحكمة إلى أن وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أصدر لائحة الجزاءات التي يوقعها الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات على الجهات المرخص لها بالعمل في مجالات الاتصالات وذلك بالقرار رقم 464 لسنة 2015 خالف القانون لعدم استيفاء إجراء جوهرى لأنه لم يتم مراجعته في قسم التشريع بمجلس الدولة طبقًا لنص المادة (190) من الدستور والمادة (63) من قانون مجلس الدولة.
ولم تقدم جهة الإدارة الطاعنة أمام محكمة أول درجة ولا أمام هذه المحكمة ما يثبت أن اللائحة المشار إليها الصادرة بقرار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قد روجعت في قسم التشريع بمجلس الدولة قبل إصدارها، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر باطلًا وغير مشروع لعيب في الإجراءات لإغفال الإجراء الجوهرى المنصوص عليه في الدستور والقانون.