حكايات مواطن نص تشطيب

دعاني صديقي "أستاذ التنمية" ومجموعة من الأصدقاء لتناول العشاء؛ ولأن لقاءنا أتى بعد وقت طويل منذ آخر لقاء فقد قررنا أن نكمل السهرة في أحد الكافيهات، كانت سهرتنا تمر بشكل عادي لا تخلو من القفشات التي تسمح بها علاقتنا، إلى أن طرح أحد الأصدقاء سؤالا حول رؤية صديقنا أستاذ التنمية للبلاد الفترة القادمة وعما إذا كانت الحكومة قادرة على العبور بالاقتصاد إلى بر الأمان؟
فأكد صديقنا صاحب الدعوة أن الفساد المستشري بأغلب مؤسسات الدولة هو العائق الرئيسي لنمو الاقتصاد، علاوة على أن المواطن دائم الشكوى دون عمل حقيقي.

ونظرًا لما أعرفه عن صديقي من اعتدال فكري واحترامه للرأي الآخر، فضلا عن إيمانه بالحريات لم أجد حرجا بسؤاله، هل يمكن للدول أن تتقدم اقتصاديا دون أن تضع الحكومات حرية مواطنيها في التعبير عن آرائهم ضد أو مع قراراتها التي تتخذها في مقدمة أولوياتها؟

وبدلا من مناقشتي حول رؤيتي التي طرحتها من خلال سؤالي، فإذ به يصدمني ويصنفني بأني "مواطن عادي" لا يصح لي أن أتحدث عن الاقتصاد وأنا غير متخصص، وهنا ذكرت صديقي العزيز بمقولة عالم الأحياء (توماس هنري هكسلي) "حاول أن تتعلم شيئا واحدا عن كل شيء وكل شيء عن شيء واحد"، وذلك بالضبط ما أتاحه لي عملي بمهنة الصحافة والإعلام..

فهل حين أتساءل عن بقاء وزير الصحة بمنصبه رغم التدني الواضح في المستشفيات لابد أن أتعلم الطب.

يا سيدي تلك هي الحرية التي أعنيها، الحرية التي تجعل مني مواطنا "سوبر لوكس" وليس "نص تشطيب"، اطلع الجميع على أفكاري دون تردد أو خوف من اتهامي بأشياء غريبة ما أنزل الله بها من سلطان.. أواجه رئيسي في العمل بقراره الخاطئ، والذي قد يكبد المؤسسة التي أعمل بها خسائر فادحة، دون خوف من التنكيل بي واتهامي بأني أعوق مسيرة العمل.

إذا حدث ذلك يا صديقي سنتقدم اقتصاديًا؛ لأننا وقتها سنجد الرجل المناسب في المكان المناسب وليس صاحب المحسوبية أو المهللاتي الذي لا تكل يداه من التصفيق لكل قرارات رئيسه وآرائه دون تمييز.

حتى أنني أعرف شخصًا مدح طريقة رئيسه في العمل في الغزل، حين تغزل في زوجته الجميلة ولا يهم هنا أن أسرد لك ما حدث بعدها، فأنت تعرف بالتأكيد أشخاصا فعلوا أكثر من ذلك وأخذوا ما لا يستحقون، ولم يستطع أحد الاعتراض خوفا من البطش والتنكيل وربما فقدان العمل، وكما تعرف أيضا أن من يفقد عمله كمن يفقد بصره وبصيرته.

تلك الأمور وغيرها مما لا يخفى على أحد والتي تسلب المواطن الصالح حريته في التعبير تجعله يفقد هويته وانتماءه ومن ثم يذهب إلى عمله متكاسلا لا يهم ماذا أو كم ينتج المهم أن يحصل فقط على راتبه آخر الشهر.

الحرية يا صديقي تعزز الانتماء ومن ثم تعزز الإنتاج الذي ينمي بدوره الاقتصاد.. ولعل ما يبرز رأيى هنا التجربة الواقعية لرئيس البرازيل الأسبق (لولا دا سيلفا) والذي خرج من الصف الخامس الابتدائي وعمل ماسحًا للأحذية لمساعدة أسرته ورغم ذلك استطاع أن ينمي اقتصاد بلاده ويسدد ديونها، فقط لأنه لم يجد هناك من يعتبره مواطنا على المحارة، وتأكيدا من الرجل أن الاقتصاد مرتبط ارتباطا وثيقا بالحريات رفض طلب شعبه بتغيير الدستور ليتيح له فرصة الترشح لولاية ثالثة.