تأملات كاريكاتورية فى ذكرى صلاح جاهين
على هامش ذكرى وفاة العبقرى الراحل صلاح جاهين، التى تحل هذا الشهر هناك معركة خاضها جاهين فى بدايات عمله بجريدة الأهرام عام 1962 وتلك المعركة وإن مر عليها نصف قرن فإن لها دلالات مازالت تعيش بيننا الآن، ولو قدر لصلاح جاهين أن يعيش هذه الأيام بيننا لخاض نفس المعارك أو ربما لاكتفى بإعادة ما كتبه ورسمه منذ نصف قرن، ولو اختلفت الشخوص والأسماء المقصودة.
ملخص القصة أنه عام 1962 كان هناك اجتماع للمؤتمر الوطنى للقوى الشعبية وتحدثوا فيه عن العمال والفلاحين والفقراء والتحديات التى كانت تواجه الدولة حينها وعن المستقبل، وإذ بالشيخ محمد الغزالى يقف ولا يتحدث إلا عن ملابس المرأة ويطالب بمنع العمل بالقوانين الغربية الكافرة، فما كان من صلاح جاهين إلا أن نشر فى اليوم التالى كاريكاتيرا يسخر فيه من الغزالى فرسم الغزالى يخطب بحماس وعمامته تسقط على الأرض وهو يقول "يجب أن نلغى من بلادنا كل القوانين الواردة من الخارج كالقانون المدنى وقانون الجاذبية الأرضية"، فهاجمه الغزالى هجوما شديدا واعتبر ذلك بمثابة استهانة بالدين من قِبل صلاح جاهين، فرسم جاهين فى اليوم التالى كاريكاتيرا يسخر فيه من نظرة الغزالى من قضايا الفقراء والعمال والمطحونين وكتب موالا مرفقا بالرسم نهايته تقول "وف وسط ما المؤتمر حامى الوطيس شغال من أجل قوت العيال أجيال ورا أجيال.. صاحب الفضيلة الغزالى قام على حيله قالك: كمام الحريم لازم يكونوا طوال!
هاجم الغزالى صلاح جاهين واتهمه بالإساءة للعلماء وللدين، ما دفع مؤيدى الغزالى للتظاهر أمام مبنى جريدة الأهرام وتدخل الأستاذ محمد حسنين هيكل وكتب تعقيبا موضحا أن الأهرام تحترم العقائد والخلاف هو خلاف فكرى وليس للدين شأن به وفى اليوم التالى نشر صلاح جاهين ستة رسوم كاريكاتير دفعة واحدة تحت عنوان "تأملات كاريكاتورية فى المسألة الغزالية" وكتب افتتاحية يقول فيها:
لقد طلبت حق الرد على الشيخ محمد الغزالى بعد كل الذى قاله فى اجتماع المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية، وليس لى اعتراض على مهاجمة الشيخ الغزالى لشخصى.. ولا على أسلوب الهجوم ولا على الألفاظ التى رضى لنفسه أن يتفوه بها، وإنما لى اعتراض على أن يخلط الشيخ الغزالي بين خلاف الرأى وبين قداسة الدين، إن ملابس الشيخ الغزالى لا تعطيه حصانة تجعل آراءه فوق النقد. وكتب قصيدة بعنوان أبوزيد الغزالى سلامة يقول فيها:
هنا يقول أبوزيد الغزالى سلامة
وعينيه ونضارته يطقّو شرار
أنا هازم الستات ملبسهم الطرح
أنا هادم السينما على الزوّار
أنا الشمس لو تطلع أقول إنها قمر
ولو حد عارض.. يبقى م الكفّار
ويا داهية دقى لما أقول ده فلان كفر
جزاؤه الوحيد الرجم بالأحجار
فأحسن لكم قولوا (آمين) بعد كلمتى
ولو قلت الجمبرى ده خضار!!
لم يتوقع صلاح جاهين أبدا أنه سيأتى اليوم ويحكم مصر نفر من هذه الفئة التى تجعل من آرائها قدسية الدين ولأعمالها حصانة الرسل وتدعى بأنها حامية حمى الدين ومن يعترض عليهم يلاقى تهمة ازدراء الأديان.
فما أشبه الليلة بالبارحة ورحم الله صلاح جاهين.