رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء طيار محمد صلاح عارف: حرب الاستنزاف كانت أشد ضراوة من يوم العبور

فيتو

*في 5 يونيو 67 كانت الطائرات مكشوفة في المطارات لاستعراض القوة
*حرب أكتوبر كانت معجزة لم يستوعبها العالم حتى الآن

*الشباب من حقه معرفة التاريخ حتى يستوعب الحاضر
*التخطيط الجيد والتدريب الواقعي على مسرح العمليات من أهم مفاتيح النصر في أكتوبر
*الجيش المصري غير مهام طائرات الهليكوبتر من النقل الخفيف إلى شبح يرعب العدو


مصر لديها تاريخ عظيم لا بد من تدريسه للأجيال الحالية والقادمة حتى يستوعبوا ما يحدث حولنا هذه الأيام.. بهذه الكلمات بدأ اللواء طيار محمد صلاح عارف أحد أبطال حرب أكتوبر حواره مع "فيتو"، وأكد عارف أن ما يحدث الآن في وسائل الإعلام المختلفة هو تغييب لعقول الشباب البريء الذي أصبح لديه خلط في كل الثوابت، موضحا أن الشباب بريء لأنه لا يعرف للأسف، فجيلنا دفعت به الظروف لكي يظهر أحسن ما فيه واختار طريقه وأبدع في عمله، ولكن في الوقت الراهن الشباب مشتت التفكير ووسائل الإعلام التي تغذي عقولهم كثيرة، وكل وسيلة لها أهواء في الشكل والمضمون.. وإلي نص الحوار:

*ارو لنا كيف بدأت في القوات الجوية؟
بدايتي مع القوات الجوية أو الطيران كمقاتل بدأت بعد 4 أيام من تخرجي من الكلية الجوية تحديدا يوم 1 يونيو 1967 قبل النكسة مباشرة أخذنا إجازة لعدة أيام نتقدم خلالهما إلى شئون الضباط حتى يتم توزيعنا على القواعد والأسراب وخلال هذه الفترة حدثت النكسة، كانت أعمارنا تتراوح وقتها من 17:18 عاما، وألم الهزيمة لا زال بداخلي حتى الآن لأنني كنت متخرجا منذ أيام وكنت أحلم بأن أكون مقاتلا وبطلا على إحدى الطائرات المتقدمة وقتها بعد اجتيازي فترة التدريب العملي بالكلية الجوية، ولكن ما حدث من خسة قامت بها القوات الإسرائيلية وضربها للطائرات وهي على الأرض عجلت أمنيتي لأصبح بطلا حقيقيا في ساحة القتال.

بعد النكسة بأيام كلفنا كخريجين جدد بأن نطير بطائراتنا التي كنا نتدرب عليها ونقوم بأعمال بسيطة ولكنها مهمة وهي نقل التقارير والأوامر من قيادات القوات الجوية إلى القواعد والمطارات المختلفة، ثم قمت بالانضمام إلى أسراب النقل والمواصلات ثم طائرات الهليكوبتر.

* أهم الدروس التي استفادت منها القوات الجوية من نكسة 67 وكانت أحد عوامل القوة لها في تحقيق نصر أكتوبر؟
أهم درس استوعبته القوات المسلحة بالكامل ثم القوات الجوية وقتها وكانت مفتاح النصر في أكتوبر 73 هي التخطيط ثم التخطيط، ففي 5 يونيو كانت الطائرات مكشوفة ومرصوصة في المطارات كنوع من أنواع استعراض القوة وقتها ولكن التجربة أثبتت فشل هذا الكلام؛ لأن التخطيط والمفاجأة هم مفتاح النصر.

*ارو لنا عن حرب الاستنزاف والبطولات التي حدثت فيها؟
حرب الاستنزاف كانت حربا أشد في ضراوتها من يوم العبور نفسه حيث خاضت القوات المسلحة بكافة أسلحتها خلال 6 سنوات أشرس المعارك بالتوازي مع التدريب الشاق وإعادة التسليح فكان التدريب بالذخيرة الحية داخل مسرح العمليات بمعنى كنا نتدرب على إنزال فرق الصاعقة بطائرات الهليكوبتر خلف خطوط العدو ليلا ونهارا على ارتفاعات منخفضة، وتتعقبنا طائرات العدو ومشتبك معها، وهناك الكثير من الطيارين استشهدوا أو أصيبوا في هذه العمليات، ومن أهم المهام التي قمت بها مع زملائي طياري الهليكوبتر عندما قامت القوات الإسرائيلية بالنزول ليلا إلى مطار كفر الشيخ ووضعوا صواريخ صغيرة كنا أعطيناها للإخوة الفلسطينيين لمقاومة العدو في بلاده فاستطاعت إسرائيل الحصول عليها وزرعها لنا في مطار كفر الشيخ قبل بناء حائط الصواريخ فصدرت لنا الأوامر بأخذها وزرعها في قلب العمق الإسرائيلي في سيناء وبالفعل أخذناها وقمنا بزراعتها في المقرات الإدارية لقوات العدو في قلب سيناء بجبل خربول، ولقناهم درسا قاسيا وقتها بواسطة عناصر الصاعقة التي زلزلت الأرض تحت أقدامهم بسبب العمليات الموجعة التي قاموا بها أثناء حرب الاستنزاف، وكان لي الشرف وقتها في نقلهم إلى أماكن تنفيذ المهام المكلفين بها داخل سيناء دون الخوف من بطاريات الدفاع الجوي المتقدمة التي كان العدو الإسرائيلي يمتلكها وقتها فكنا نشعر بالمسئولية مثلهم تماما ونتعجل الأيام حتى ناخذ بالثأر ونسترد أرضنا بالكامل.

* أهم الطلعات التي قمت بها يوم 6 أكتوبر وشاركت في تحقيق النصر؟
التدريب المتواصل على عبور قناة السويس إلى قلب سيناء بالليل والنهار خلق بداخلنا مهارة وسرعة في تنفيذ المهام وبدأت أول طلعة لي يوم السادس من أكتوبر الساعة الخامسة مساء بإبرار مجموعات الصاعقة إلى مناطق صدر الحيطان وتمادا والمليز قبل أن يفيق العدو من شدة الضربة الجوية التي قامت بها قواتنا الساعة الثانية وضربت مطاراته ومراكز القوى والنقاط الحصينة له.
وكانت مهمتنا إبرار العناصر والعودة لأخذ المزيد منهم وكانت مهمتهم تعطيل قوات الاحتياط من التعرض لقواتنا التي تعبر القناة وسلاح المهندسين الذي يقوم بتشييد رءوس الكباري لسرعة عبور الأسلحة الثقيلة ومعدات القتال مع أفواج الجنود والضباط للاشتباك مع قوات العدو استرداد الأرض المحتلة.

*كيف أضاف طياري الهيلكوبتر قانونا جديدا أصبح بعدها يدرس في كل معاقل الطيران في العالم؟
حرب أكتوبر كانت معجزة لم يستوعبها العالم حتى الآن على كافة الأصعدة، فالمقاتل المصري أبهر حتى صانعي الأسلحة التي استخدمها عن كيفية استخدام أسلحتهم وسوف أتحدث عن طائرات الهيلكوبتر التي كانت تستخدم في مهام بسيطة ولم يكن لها دور في الحروب استخدمناها في أخطر المهام وهي إبرار القوات، فقبل حرب أكتوبر كان الإنزال والإبرار من مهام القوات البحرية أما في حرب أكتوبر كانت الهليكوبتر تقوم بإبرار قوات الصاعقة والقوات الخاصة، ونقل الجرحى والدم للمصابين على جبهة القتال،  كنا نحو 68 طائرة تعمل ليل نهار داخل مسرح العمليات دون خوف من كشف رادارات العدو لنا واستهدافنا عن طريق دفاعاته الجوية، بل الأكثر من ذلك كنا ننقل القادة إلى مواقع القتال ودراسة مسرح العمليات على الأرض.
المصريون كانوا السبب الرئيسي في تطوير الهليكوبتر وتزويده بأسلحة وصواريخ للقتال وأهم مثال على تطور الهليكوبتر ما تقوم به طائرات الهليكوبتر الأباتشي السلاح الأول التي تحارب الإرهاب الآن في سيناء، وعلى الحدود الغربية ومضاعفة إمكانياته في السنوات الماضية عقب حرب أكتوبر مباشرة.

*كيف ترى انضمام طائرات "الرافال" الفرنسية للقوات الجوية وماذا تمثل في تفوق قواتنا الجوية بالمنطقة؟
لكل زمان احتياجاته ففي العقود الماضية كان هناك عدو واضح ومسرح العمليات ثابت وامتلاك السلاح وقتها كان للقضاء على قواته رغم تفوقها عددا وتطورها تكنولوجيا، وكنا نحتاج طائرات لها مدى قريب تمتلك رادرا متقدما لاستهداف العدو وتحصيناته.
أما الآن ميزان القوى في الشرق الأوسط تغير، والعدو متعدد الوجوه وخارج حدود الدولة، ويتطلب طائرات متقدمة ذات سرعات كبيرة وشبحية أي لا تستطيع رادارات العدو كشفها قبل أن تقوم بمهامها، والرافال تمتلك هذه الصفات، الخفة والسرعة والتسليح المتعدد وتسمى طائرة متعددة المهام؛ لأنها تتميز برادرات حساسة ذات تقنيات عالية لتحديد الأهداف والتعامل معها في نفس الوقت والعودة دون اكتشافها أو تعقبها، وهذا ماقامت به الرافال مرتين من الكشف عن مواقع التدريب والتسليح لعناصر داعش الإرهابية في ليبيا وضربهم والقضاء عليهم ثم العودة إلى مصر دون أن يراها أحد قبل أن يعلن الرئيس السيسي عن العملية.
وهناك كلمة أوجهها للشباب وللقادة في مصر لا بد أن يكون هناك تواصل لتعريف الشباب بالبطولات التي قام بها المصريون في كل الحروب المعاصرة منذ حرب فلسطين عام 48 حتى نصر أكتوبر، واسترداد سيناء كاملة، ومن هم الأعداء المتربصون بنا ويحاولون زعزعة دور مصر في المنطقة وإضعافها حتى يستوعب الجيل الجديد التحديات التي تواجهنا هذه الأيام حتى يتحملوا مسئولية الدفاع عن مصر كما فعل جيلنا.
الجريدة الرسمية