رئيس التحرير
عصام كامل

ملاحظات على الخطاب الإعلامي لأطراف عربية متخاصمة


من متابعة دقيقة لمسار الأداء الإعلامي لأربع دول عربية أعلنت مقاطعتها لدولة قطر، وأنذرتها باتخاذ إجراءات عملية بشأن ١٣ مطلبا وأمهلتها عشرة أيام زيدت يومين بطلب من الكويت، للرد عليها بالموافقة أو الرفض، ومن متابعة دقيقة للخطاب الإعلامي الدبلوماسي الذي انتهجته قطر في مواجهة الآلام السياسية والاقتصادية التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر، والتي تأخذ بخناق النظام القطري، يمكن إيراد مجموعة من الملاحظات، قد تفيد صانع القرار الإعلامي في وضع خطط أذكى، وأشد فعالية في مواجهة الخطاب الإعلامي لقطر.


أولا: يلفت النظر أن إغلاق قناة الجزيرة الشريرة ومكاتبها كانت من بين المطالب الأساسية التي قدمتها مجموعة الدول الأربع المقاطعة لقطر، ضمن مطالب أخرى لا تقل أهمية بل تزيد على هذا المطلب خطورة، منها وقف دعم وتمويل وإيواء وتسليم العناصر الإرهابية وهي القاعدة وجبهة النصرة ( جفش الآن أي جبهة فتح الشام ) والإخوان وداعش.. هناك بالطبع مطالب كخفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، وعدم منح الجنسية القطرية لمن يلجأ إليها معارضا الدول الخليجية في مجلس التعاون، ومطلب يتردد على استحياء وهو تقديم تعويضات للدول الأربع المتضررة من إرهاب قطر مدفوع الأجر.

ثانيا: تعاملت قطر مع قائمة المطالب بحرقها إعلاميا وتجريدها من هالة الجدية والغموض، وسربتها وعرضت بها ودأبت على لسان وزير خارجيتها محمد عبد الرحمن آل ثاني، على القول إنها غير واقعية، واختزلت المطالب في أمرين ركزت عليها السياسة الإعلامية والسياسة الخارجية القطرية هما تحويل إجراء المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية إلى أنها حالة حصار يخنق قطر ويقوض سيادتها.

أما الأمر الثاني فإنها ركزت على اعتبار أن ما دون دعم الإرهاب هو إهانة لدولة مستقلة ذات سيادة.. وفي الوقت نفسه مضت تكرر أنها لا تدعم الإرهاب وأن هناك دولا أخرى تفعل، وأخطأ وزير الخارجية القطري خطأ فاحشا حين أقر بأن بلاده آخر هذه الدول! مبدأ السيادة وحالة الحصار كانا طول الوقت اللحن الرئيسي للإعلام القطري والدبلوماسية القطرية.

ثالثا: مع التحرك القطري السريع في العواصم الغربية على جانبي الأطلنطي، أوروبا والبيت الأبيض، ومع اعتبار الاستثمارات والمصالح الاقتصادية المعقدة بين هذه العواصم والدوحة، نجحت قطر ولفترة وجيزة في استخراج ازدواجية غريبة أصابت الدول الأربع بالريبة والاستغراب، وهو، في ظنى ما دفع الوزير المصري سامح شكري والوزير السعودي عادل الجبير إلى التحرك سريعا لشرح أبعاد وحقائق الموقف والإجراءات والمطالب الـــــ١٣.

وظهر ذلك سريعا في تصريحات ترامب ووزير الخارجية الألماني وكلاهما ركز على أهمية وقف قطر لدعم وإيواء وتمويل الإرهاب.. ولم يتطرق أحدهما إلى وجوب تنفيذ قطر بقية المطالب.

رابعا: الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه الأداء الإعلامي والدبلوماسي للدول المقاطعة، رغم مهارتها وتاريخها ووزنها النوعي، هو طرح إغلاق محطة فضائية.. تقض مضاجع العواصم العربية وحكامها.. سوقتها قطر على أنها نهاية وعدوان على حرية التعبير! وتلك بضاعة رائجة في الغرب بل هي طعامه المفضل.

تغيير السياسات القطرية العدوانية كان سيقود بالضرورة إلى محتوى إعلامي مختلف !

خامسا: في عز المعركة الإعلامية يبدو نجم الحرب هو أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية، عبر نهر متدفق من التويتات التي تراوحت بين الشد والإرخاء، بين العصا والجزرة، بين الرقة وقوة المنطق.. وهذا ليس مستغربا، لأنهم حريصون على ألا تفجر قطر في خصومتها وشرودها العربي، وتلقي بجسدها كاملا في أحضان الآيات والملالي في طهران أو مخدع السلطان العثماني رجب أردوغان.

سادسا: قد نرى من الواجب تركيز الرد الذي ستعلنه الدول الأربع، في الوقت الذي ستراه مناسبا كما قال بيانها أمس الأربعاء، ردا على تسلم البيان القطري، على وقف تمويل الإرهاب وتسليم الإرهابيين والسخرية القاسية من فكرة أن قطر ملاذ المظلومين، أو بالتعبير الذي أعلنته وهو "المضيومين"، من الضيم !

سابعا: التصعيد بلا حساب سيجعل قطر فراشا لتركيا وإيران، وسيجعل مصانع السلاح الغربية تحقق مليارات إضافية لأطراف الخلاف.

من أجل هذا كله، يجب الحذر عند السير في وحلة الطين والدم التي صنعها الجموح القطري، وبالتأكيد الصبر الخليجي الملول، وكلنا ندفع الثمن الآن ومستقبلا.. ومصر دفعته طيلة سبع سنوات ولا تزال.
الجريدة الرسمية