رئيس التحرير
عصام كامل

الرضا الأمريكي التام عن مصر !!


ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية كقوى فاعلة على الساحة الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في ذات الوقت الذي بدأت الشمس تغرب عن القوى الاستعمارية القديمة، والتي كانت بريطانيا هي القوى الأبرز والأكثر شهرة، حيث عرفت بأنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.. ومع منتصف القرن العشرين نشطت حركات التحرر الوطني من الاستعمار، ودخلت البشرية مرحلة جديدة من مراحل السيطرة والهيمنة الاستعمارية في ظل تنامى الدور الأمريكى وصعوده.


حيث حاولت الولايات المتحدة الأمريكية فرض هيمنتها على مجتمعات العالم الثالث التي انفكت لتوها من الاستعمار القديم، وكانت أحد أهم أشكال الاستعمار الجديد هو التبعية الاقتصادية للمشروع الرأسمالى الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لتكريس التخلف لدى هذه المجتمعات التي تخلصت حديثا من الاحتلال العسكري وتبحث لنفسها عن طريق للتنمية للحاق بركب التقدم الذي وصلت إليه المجتمعات الغربية.

وفى ظل هذه المرحلة المتقدمة من تطور القوى الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية كان لابد من ابتداع أشكال جديدة للهيمنة والسيطرة على مجتمعات العالم الثالث دون أي شبهة استعمارية قديمة، فتبلور دور البنك الدولى وصندوق النقد الدولى كأدوات استعمارية جديدة تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية وتفرض كلمتها عليها وترمي بشباكها على المجتمعات الساعية للصعود لمركب التنمية والإبحار بعيدا عن أمواج التخلف.

ومع منتصف القرن العشرين كانت مصر مازالت تقع مثل العديد من مجتمعات العالم الثالث تحت نيران الاحتلال البريطانى، وتمكنت عبر ثورة 23 يوليو 1952 من التحرر من الاستعمار القديم، وبدأت لتوها في البحث عن طريق للتخلص من التخلف وبناء مشروع وطنى للتنمية، وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية فرض هيمنتها على مصر عبر البنك الدولى الذي لجأت إليه مصر لتمويل مشروع بناء السد العالى لكن الرئيس جمال عبد الناصر رفض الخضوع للهيمنة الأمريكية عبر شروط التبعية التي فرضها البنك الدولى على مصر، ومن هنا بدأ العداء بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.

وظلت مصر تقاوم التبعية التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية فرضها عليها طوال فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، ومع مطلع السبعينيات وصل الرئيس السادات لسدة الحكم ومنذ اللحظة الأولى أعلن الرجل وبأعلى صوته أنه قرر التخلى عن المشروع الوطنى المستقل، وأنه لا يمكنه تحدى الولايات المتحدة الأمريكية كما فعل جمال عبد الناصر، وأنه سوف يسير في فلك الولايات المتحدة الأمريكية وسوف يخطب ودها وينفذ تعليماتها لأنها وكما قال تمتلك 99% من أوراق اللعبة.

وبالفعل بدأنا مرحلة جديدة نبحث فيها عن الرضا الأمريكى وكانت البداية هي طرد الخبراء الروس، ثم التخلى عن خطة الحرب جرانيت (1) التي وضعها الرئيس جمال عبد الناصر كحرب تحرير شاملة لكل الأراضى العربية المحتلة من قبل العدو الصهيونى، واستبدالها بجرانيت ( 2) والتي هي حرب تحريك نحقق فيها انتصار محدود لتبدأ مفاوضات السلام المزعوم مع العدو الصهيونى والذي انتهى بكامب ديفيد، وفى أعقاب الحرب أعلن السادات عن الخطوة الأهم في طريق التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وهى الانفتاح الاقتصادى وهو الشكل الجديد للاستعمار الذي اخترعه النظام الرأسمالى العالمى، ومن خلاله تخضع مجتمعات العالم الثالث للشروط التي سيفرضها عليهم المستعمر الجديد عبر أدواته المستحدثة وهى البنك والصندوق الدوليين.

ومع نهاية حكم الرئيس السادات كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أصبحت راضية تماما عن مصر، وجاء الرئيس مبارك وظل ثلاثون عاما جاثما على أنفاس الشعب المصرى، نال خلالها الرضا الأمريكى التام عبر التبعية الاقتصادية للمشروع الرأسمالى الغربي الذي أفقر الغالبية العظمى من المصريين، والذي فرض عبر روشتة صندوق النقد الدولى بيع ممتلكات الشعب المتمثلة في القطاع العام بأبخس الأثمان، هذا إلى جانب حفظ أمن العدو الصهيونى من خلال تمسكه باتفاقية كامب ديفيد التي خرقها العدو مرات عديدة، ورغم ذلك ظل الرئيس مبارك محافظا عليها ومتمسكا بها خوفا من غضب الولايات المتحدة الأمريكية.

وقامت ثورة 25 يناير 2011 وأطاحت بمبارك من سدة الحكم، وجاء الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر مهندس كامب ديفيد، وعقد مؤتمرا صحفيا التقى فيه مع غالبية القوى السياسية ومن بينها جماعة الإخوان، وكان هناك سؤالين يرددهما على أسماع الجميع هما: ما السياسة الاقتصادية التي ستتبعونها إذا وصلتم للحكم ؟ وماذا أنتم فاعلون في الاتفاقيات الدولية؟ وبالطبع على رأسها كامب ديفيد، وكانت إجابة الإخوان أنهم سيتبعون السياسة الرأسمالية وفقا لآليات السوق، وأنهم سيحافظون على الاتفاقيات الدولية وفى مقدمتها كامب ديفيد، وبذلك كسب الإخوان رضا أمريكا كما فعلها مبارك عبر ثلاثة عقود كاملة.

وقامت ثورة 30 يونيو 2013 وأطاحت بجماعة الإخوان الإرهابية من سدة الحكم وبدأنا مرحلة جديدة اعتقد الشعب المصرى أنها ستكون بعيدة تمامًا عن الحضن الأمريكى الدافئ، لكننا وفى الذكرى الرابعة للثورة نستطيع أن نقول وبقلب مستريح إننا مازلنا نسير وفق الهوى الأمريكى اقتصاديا عبر روشتة صندوق النقد الدولى وبخطى أسرع بكثير مما اتبعه الرؤساء السابقون ( السادات ومبارك ومرسي )، وهو ما يسحق وبقلب بارد الفقراء والكادحين والمهمشين ويقضى تماما على ما تبقى من الطبقة الوسطى، هذا إلى جانب الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع العدو الصهيونى، وهو ما يدعم الرضا الأمريكى التام عن مصر ويكرس التخلف والتبعية.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية