قضايا لا تحتمل الانتظار
هناك العديد من القضايا يجب أن نتوقف عندها ونتصدى لها ولا تحتمل الانتظار وأهم هذه القضايا هي المعالجة العلمية لمشكلات المجتمع وأن ننظر إلى تلك المشكلات نظرة علمية عقلية، فنحن في أمس الحاجة إلى هذه النظرة في مجتمعاتنا النامية، لقد حان الوقت أن نودع الخرافات والأسلوب العشوائى وأن نتخلى عن العاطفة الهوجاء لنعتمد على الأسلوب العلمى في حل مشكلاتنا الفكرية والفقهية واللاهوتية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعلينا أن نعترف عزيزى القارئ أن في مجتمعاتنا هناك من يفسد فيها سواء في مجال الفكر أو الاقتصاد والاجتماع.
ومن ثم يجب أن يُفعَّل دور العلم في المجتمع؛ فمسئولية العلم أكبر فيما يتعلق بتغيير طبيعة الأوضاع وهو التغيير الذي يطمح إليه عصرنا الحاضر، ويجب الربط بين العلم والتقدم التكنولوجى من جهة والأخلاق والسياسة من جهة أخرى؛ يجب أن نُصدّر العلم في مواجهة مشكلة الانفجار السكانى التي تؤثر سلبا بدورها على التنمية، يجب أن يواجه العلم تأثير وسائل الاتصال على الاستقرار المجتمعى من جهة وتوسيع مجال المعرفة من جهة أخرى، يجب أن يُفعَّل دور العلم في معالجة ظاهرة الهجرة من الريف إلى الحضر بالإضافة إلى ظاهرة تلوث الغلاف الجوى بل تلوث العقل الذي أُصيبَ به الإنسان من عدم المعرفة السليمة.
يجب التفريق بين العلم في حد ذاته وبين التطبيقات العلمية والتكنولوجية، فكل جديد في مجال المعرفة من الممكن أن يستخدم لخير الإنسان ورُقيّه، كما أنه يمكن أن يؤدى به إلى الانحطاط، والفيصل هنا دور العلم والمعرفة الصحيحة؛ بل للعلم دور ليس في التنمية المادية فحسب بل أيضًا في التنمية الروحية والأخلاقية للإنسان، فالتنمية يجب أن تكون من أجل الإنسان، والتنمية يجب أن تضع في اعتبارها الارتقاء البشرى سواء من الناحية الروحية أو الخلقية أو المادية، والمجتمع والاقتصاد لابد أن يكونا في خدمة الإنسان، لا أن يكون الإنسان في خدمتهما.
وأستطيع أن أقول إن العلم سوف يكون له دور حقيقي عندما لا يكون خاضعًا لسلطة سياسية في كل المجتمعات على السواء، فالعلم والبحث العلمى هو قبل كل شىء ممارسة الإبداع؛ فالبحث هو أن يرى الباحث ما يراه الآخرون ثم يفكر ويبدع فيما لا يفكر فيه الآخرون، ليس من أجل ذاته ولكن من أجل المجتمع والإنسانية؛ فدور العلم والنزعة العلمية معالجة معظم المشكلات بأسلوب منظم ومدروس طبقا للمعطيات وطبقا للواقع وطبقا لمدى استجابة المجتمع؛ لأن السياسة العلمية ترسم التخطيط والأولويات الاجتماعية والقومية والدولية والمسئولية الاجتماعية طبقا لعالمية العلم ووحدة المعرفة؛ فانفصال المجتمع عن التخطيط العلمى والرؤية العلمية هو انتحار للمستقبل؛ فمصير الإنسانية يتوقف على مدى استطاعة المجتمعات أن تنتقل من التقدم الذي يُعبَّر عنه بمنطق الاقتصاد إلى التقدم الذي تُعبَّر عنه الثقافة؛ فالطريق امامنا عزيزى القارىء طويل ولكن يجب أن نظل محتفظين بالأمل والسير فيه طبقا للهدف.