رئيس التحرير
عصام كامل

ميرنا أبو نادي تكتب: أوبرا جديدة «من البيه لـ البواب»

ميرنا أبو نادي
ميرنا أبو نادي

من فترة ليست بالبعيدة، كنت أستقل سيارة أجرة (تاكسي)، في طريق عودتي إلى المنزل بعد يوم عمل طويل قضيته في دار الأوبرا المصرية بين التغطية الإعلامية لحفلاتها.. أرخيت رأسي على المقعد منهكة بعد وصف الطريق للسائق.


دقائق بسيطة مرت قبل أن تقتلعني من إرهاقي، أغنية تبث على إحدى محطات الراديو بالسيارة.. كلماتها أغرتني للانتباه، كانت تقول: "الثقافة مش في الأوبرا، الثقافة عتبة وشبرا، وشبرا يعني الميكروباصات، والتكاتك والأجرة".. انتابني إحساس وفكرة مقيتة آنذاك وهي أننا "بندن في مالطة".

كنت في قمة سعادتي في شهر أكتوبر لعام ٢٠١٤، عندما تم اختياري كمندوب لجهة عملي (الجريدة) لأكون الصحفي المسئول عن متابعة أخبار الأوبرا، وتغطية جميع حفلاتها.. ليس لعشقي للموسيقى فقط، وإنما أيضًا لشعور داخلي أني أقوم بعمل حلقة وصل بين صانعي الثقافة والفن والموسيقى وبين جمهور الشارع.. إلا أن تلك الأغنية هدمت هدفي للحظات، وجعلتني أشعر أني فارغة اليد، قضيت ثلاثة أعوام "بنفخ في قربة مقطوعة".

بالأمس فقط، عاد أملي وهدفي لموقعه الطبيعي، عندما قررت دار الأوبرا فتح أبوابها مجانا أمام جميع أطياف الشعب لحضور حفل الذكرى الرابعة لثورة ٣٠ يونيو، والذي جاء تحت عنوان "في حب مصر".. لايهم هنا مدى اختلافنا على الذكرى والموعد من عدمه! الأهم هو فئات الشعب التي تكبدت مشقة الخروج من منازلها في حرارة الصيف، لحضور حفل موسيقى ممزوج برقصات باليه الأطفال.

عندما فُتحت أبواب الأوبرا لدخول الجمهور، لم أصدق عيناي، توقعت أني في حلم وردي عندما رأيت سيدات في أواخر الأربعينات والخمسينات ينتمون إلى أكثر فئات المجتمع شعبية وفقرًا، يدخلون من الباب متوجهين لمسرح الحفل!.. كان متوقعا أن يكون نسبة الحضور بالحفل كثيفة نظرا لفتحه بشكل مجاني، ولكن لم يكن متوقعًا حضور تلك الفئة ! لم يكن متوقعًا حضور (الجلابيات الحريمي، والقمطة الفلاحي) بعد أن ارتبطت الأوبرا لسنوات طويلة بـ (الميكروجيب).. رأيته إنجاز ومعجزة استطاعت الأوبرا تحقيقها.

تلك الفئة لا تدرك ما تعنيه مفردة (أوبرا) من الأساس، لا يعلمون عنها سوى اسم أوبرا عايدة الذي يتردد على مسامعهم بين فترة وأخرى، ولم يفكر واحد منهم زيارة الأوبرا قبل الأمس، ظنًا أنها حكر على أبناء الطبقة الأرستقراطية فقط.. بالأمس فقط أدركوا أن الأوبرا تقدم عدة أنواع من الفنون وتتسع لهم ولسواهم.

استمرت دهشتي حتى آخر الحفل، عندما قابلت أحد إداريي الأوبرا، والذي ألقى في وجهي مصطلح "العدالة الثقافية"، قال: "هوه ده اللي المفروض يحصل من زمان، العدالة في تقديم الثقافة للبيه والبواب".
الجريدة الرسمية