رئيس التحرير
عصام كامل

شرعنة الفساد


"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" و"لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"،" "ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين".. هذه هي بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن الفساد الأولى تتحدث عن إن الفساد ظهر على وجه البسيطة بفعل الناس أنفسهم وليس لظروف خارجة عن إرادتهم، والثانية نهت عن الإفساد في الأرض باتباع سبله، وتتبع مساراته، أما الثالثة فتحدثت عن إرادة الإفساد في الأرض، وقد تعددت سبل الإفساد في الأرض من قطع طرق وابتزاز الناس وأكل الأموال بالباطل حتى صار الفساد مشروعا ومقننا، وساروي ثلاثة مواقف تمر بنا جميعا ونعلم بها تؤكد مشروعية الفساد.


الموقف الأول: ذهبت زوجتي لشراء الرنجة صبيحة العيد وما أدراك ما الرنجة إذ هي وجبة تكاد تكون -بالإضافة إلى الفسيخ والملوحة - من سنن العيد هنا في مصر، المهم ذهبت زوجتي للشراء وأخذت تبحث عنها حتى وجدتها في أحد المحال لكنها وجدتها مجمدة رغم أن المعروف والمعهود أن الأسماك المملحة دائما ما تعرض بدون الحاجة إلى التبريد ولكن تحت دعاوي الحفاظ عليها يتم تبريدها وعند الشراء يتم بيعها مبردة وغالبا ما تكون مجمدة، ويتم بيعها على هذا الأساس، وهو ما يزيد من الوزن لكن يقلل الحجم وقس على ذلك كل المجمدات من لحوم وخضر وأسماك بل وحتى الفاكهة، وحينما تتعجب من ذلك يقال لك: إحنا بنحافظ عليها حتى لا تفسد!

الموقف الثاني: في إحدي المواصلات العامة تنامت إلى مسامعي حكاية تتحدث عن ظاهرة "فتح الأدراج" وما أدراك ما فتح الأدراج؟ الحكاية باختصار أن شخصا أراد قضاء مصلحة، ولأنه كان يتعجل الحصول عليها فقد دفع من الأموال الشيء الكثير، وبينما هو يتحدث عن ذلك، صاح أحد الأشخاص: "أهو اللي زيك هو اللي مودي البلد في داهية، وطالما إنت بتدفع غيرك لازم يدفع وإنت السبب"!

شعر صاحبنا بالإحراج وأخذ يتمتم: وأنا مالي ما هو كله بيتكلم عن فتح الأدراج، وأنا عاوز أقضي مصلحتي هو أنا يعني أجرمت!!
رد عليه أحد الجالسين ويبدو أنه أحد الموظفين في إحدي الجهات الحكومية: هو فيه حد قالك ادفع؟
صمت صاحبنا ولم يتكلم سوي بقوله ماهم اللي بيقولوا «شخلل عشان تعدي»!

الموقف الثالث حكاه لي أحد الأشخاص قائلا: شوف يا سيدي أنا رحت أقدم لابني في إحدي المدارس، ولما كنت بسمع عن دفع فلوس عشان التقديم قلت وماله ادفع وكله يهون عشان خاطر العيال، وعندما ذهبت قالوا لي ابنك مش حيدخل المدرسة إلا لما تدفع بس إحنا مش بناخد حاجة في إيدينا انت ممكن تدفع الفلوس دي تبرعات قلت-والكلام على لسانه- وماله اتبرع لكني فوجئت أن التبرع يتم لأحد الأشخاص خارج المدرسة، وهو من يقوم بكل شيء، وبالفعل ذهبت إليه وأعطيته ما طلب مني لكني فوجئت بأنني تعرضت لعملية نصب وحسبي الله ونعم الوكيل.
الجريدة الرسمية