حكاية عربية
يروى أن عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما، كان عائدا من الشام إلى الحجاز، فنزل يستريح في الطريق، وطلب من غلمانه طعاما فلم يجدوا، فقال لخادمه: اذهب في هذه الصحراء فلعلك تجد راعيا أو حيا فيه لبن أو طعام.. فمضى الخادم بالغلمان، فرأوا عجوزا في حي، فقالوا لها: أعندك طعام نبتاعه (نشتريه)؟ قالت: أما البيع فلا، ولكن عندي طعام لا أحتاجه أنا وأبنائي.
قالوا: فأين أبناؤك؟ قالت: يرعون الماشية، وهذا أوان عودتهم. قالوا: فما أعددت لهم؟ قالت: بعض الخبز.. قالوا: وما عندك غير هذا؟ قالت: لا شيء.. قالوا: فجودي لنا بشطرها.. فقالت: أما الشطر (النصف) فلا أجود به، وأما الكل فخذوه.
فقالوا لها: تمنعين النصف وتجودين بالكل؟! قالت: نعم، لأن إعطاء الشطر نقيصة، وإعطاء الكل كمال وفضيلة، فأنا أمنع ما يضعني، وأمنح ما يرفعني.. فأخذوا الخبز، ولم تسألهم من هم، ولا من أين جاءوا.
فلما جاءوا إلى ابن عباس، وأخبروه بخبرها عجب من ذلك، ثم قال لهم: احملوها إلى الساعة.. فعادوا إليها وطلبوا منها أن تصحبهم، ولما عرفت أنه عبدالله بن عباس قالت: هذا هو الشرف العالي وذروته الرفيعة، وسألت: ماذا يريد مني؟ قالوا: مكافأتك.. فقالت: والله لو كان ما فعلت معروفا ما أخذت له بدلا، فكيف وهو شيء يجب على الخلق أن يشارك فيه بعضهم بعضا؟
حكاية قديمة أعجبتني، وأحببت أن أكتبها علنًا نتعلم منها الكرم والجود اللذين كادا يختفيان من حياتنا.