رئيس التحرير
عصام كامل

مصدر قضائي: التنازل عن «تيران وصنافير» خطأ جسيم.. التاريخ يحاسب مجلس النواب ورئيسه.. الدستور الفرنسي أقر فكرة التنازل وقيدها بموافقة الشعوب.. الوضع في مصر يختلف عن فرنسا

المحكمة الإدارية
المحكمة الإدارية العليا

أثار التصريح الذي أدلى به الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب تعليقًا على الأمر الولائي الذي أصدره رئيس المحكمة الدستورية العليا بوقف تنفيذ جميع الأحكام الصادرة في قضية تيران وصنافير العديد من ردود الأفعال داخل الأوساط القضائية والعلمية.


القضاء الإداري
و قال الدكتور عبد العال ثلاث نقاط أولا " أن كتب التاريخ وكتب القانون بكليات الحقوق سوف تحاكم القضاء الإداري الذي قضى بمصرية تيران وصنافير "، وثانيًا "أن أحكام مجلس الدولة الفرنسي استقرت على أعمال السيادة بصدد المعاهدات تخرج من رقابة القضاء". وثالثًا "أن من شارك في كتابة المادة (151) من الدستور وأنه بذلك يعرف حدود المجلس جيدا".

وأوضح مصدر قضائي رفيع المستوى أن حكم المحكمة الإدارية العليا لم يترك شاردة ولا واردة إلا أحصاها في حكمه وقد تناولت الحيثيات عكس كل ما ذكره رئيس مجلس النواب حتى عن مجلس الدولة الفرنسي بشأن التنازل والتبادل والضم على النحو التالي:

أولًا: المحكمة رجعت لكتب التاريخ ووثائق الأمم المتحدة ومظاهر سيادة مصر عبر قرن من الزمان سواء قبل إعلان المملكة عام 1932 أو بعدها:

قالت المحكمة عن التاريخ: "إن الجزيرتين وما حولهما من المياه الإقليمية تملك مصر عليهما حقي الملكية والسيادة – وممارسة هذه السيادة لم يشبها عرقلة المرور البريء. وما ترى من تفاوت في ممارسة مصر سيادتها المذكورة، فإذا أرجعت الحكومة الطاعنة البصر لتقرأ التاريخ، فلن ترى من فطور أو إخلال أو تصدع أو شقوق، ثم إذا أرجعت البصر كرتين في جميع حقب تاريخ مصر للقول بإنكار سيادتها على الجزيرتين ينقلب إليها البصر خاسئًا وهو حسير."

لا وثائق
كما قالت المحكمة عن التاريخ أيضًا: " ومتى كانت أوراق الطعن قد خلت من ثمة وثيقة أو معاهدة تشير إلى أن دولة أخرى غير جمهورية مصر العربية، قد مارست سيادتها المشروعة على جزيرتي تيران وصنافير في أي وقت من الأوقات بحسبانهما ضمن الإقليم المصري المحظور التنازل عن أي جزء منه، كما لم يثبت على الإطلاق ممارسة المملكة العربية السعودية لأدنى مظهر من مظاهر السيادة على الجزيرتين سواء قبل إعلان المملكة عام 1932 أو بعدها، كما خلت الأوراق من ثمة نص في معاهدة أو اتفاق مكتوب بين مصر والسعودية يفيد في أي حقبة من حقب الزمان أن الأخيرة تنازلت أو سمحت لمصر بالوجود العسكري عليهما، خاصة إبان استيلاء إسرائيل على ميناء أم الرشراش - إيلات حاليًا - عام 1949، وقواعد القانون الدولي لا تعتد إلا بالاتفاقيات المكتوبة والموقعة من الطرفين في مثل هذه الحالات المهمة".

خطأ تاريخي

ثانيًا التنازل عن الجزيرتين ينطوي على خطأ تاريخي جسيم غير مسبوق يمس كيان تراب الوطن المملوك للشعب المصري وليس ملكًا لسلطة من سلطات الدولة:

وأضافت المحكمة: " بهذا الأمر يكون الإجراء الإداري الذي سمته الحكومة المصرية في تقرير طعنها اتفاقًا مبدئيًا بترسيم الحدود وما نتج عنه من تنازل عن الجزيرتين – أيًا كانت المبررات الدافعة إليه – حال كونهما ضمن الإقليم المصري مخالفًا للدستور والقانون لوروده على حظر دستوري مخاطبًا به السلطات الثلاث، والشعب ذاته، وانطوائه على خطأ تاريخي جسيم - غير مسبوق – يمس كيان تراب الوطن المملوك للشعب المصري في أجياله السابقة وجيله الحالي والأجيال القادمة وليس ملكًا لسلطة من سلطات الدولة، ولذا فإن الحفاظ عليه والدفاع عنه فريضة مُحكمة وسُنة واجبة..

فهذا التراب ارتوى على مر الزمان بدماء الشهداء التي تُعين وتُرسم حدوده، باق وثابت بحدوده شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، وسلطات الدولة متغيرة، خاصة وأن التنازل عنه - على النحو المتقدم – سيفقد مصر حقوقها التقليدية على مياهها الإقليمية التي مارستها عبر قرون، فضلًا عما يشكله من تهديد دائم للأمن القومي المصري، وإضرار بمصالحها الاقتصادية في مياهها الداخلية الإقليمية".

ثالثًا: التعرف على تاريخ الشعوب ومركز إقليمها القانوني وجزرها ومضايقها ليست بالأمر الهين والمحكمة رجعت لأحكام محكمة العدل الدولية ولا تحرم المعرفة القانونية من تاريخ البشرية لتفاصيل تهواها بقناعة المتن بفحواها:

وأوضحت المحكمة عن رجوعها لكتب التاريخ والدساتير والقانون والعلماء المتخصصين قولها: " أنها استبحرت في فكر العلماء المتخصصين وما استقرت عليه محكمة العدل الدولية من مبادئ عامة في تحديد مظاهر السيادة المشروعة، وما تحملته في سبيل ذلك من كلل مضن دون ملل – فالتعرف على تاريخ الشعوب ومركز إقليمها القانوني وجزرها ومضايقها ليست بالأمر الهين - للوصول إلى نقطة البحث الشائكة بقدر ما هي شائقة، ليكون الأمر على رقعة واسعة من المعرفة العلمية القانونية السديدة ويتسع على أديمها بخطوات فتية، لا يتسع فيها حكم قضائي للم شتاتها حجمًا وكُلفة.

ولم تجد المحكمة مصرفًا عن اجتزاء بعض مضامينها حتى تبقيها في إطار يقينها، ولا تحرم المعرفة القانونية من تاريخ البشرية لتفاصيل تهواها بقناعة المتن بفحواها فقد حملت الجزر والمضايق والبحر أمانة الحضارات البشرية مهدًا للعلم وطريقًا للثراء ومعبرًا للتجارة وهمزة للإخاء وشغلت ما للدول فيه من حقوق بال الأمم المتحدة منذ أن تنفست أنسام القانون، وأن المحكمة قد استجلت الحقيقة القانونية لجزيرتي تيران وصنافير وفقًا للمبادئ المستقرة في القانون الدولي في ممارسة السيادة المشروعة على إقليمها وبأحكام الدستور، وكان من نتاجه - المقطوع به يقينًا - أن جزيرتي تيران وصنافير تحت سيادة مصر دون سواها".

رابعا: عن مشاركة رئيس مجلس النواب في وضع المادة ( 151) من الدستور، فالفقرتين الأخيرتين من المادة (151) ترفع عن الأعمال المتصلة بها صفة كونها من أعمال السيادة ولا تقوم له أية حصانة عن رقابة القضاء:

قالت المحكمة موضحة الفقرتين الأخيرتين من المادة (151): "لا جدال في أن هذا النص الدستوري تضمن أحكامًا بعضها له مردود سابق بالدساتير المصرية المتعاقبة، وأحكامًا جديدة على النظام القانوني المصري تستوجب – كما سلف البيان – فهمًا قانونيًا جديدًا، فمن سابق الأحكام أن إبرام المعاهدات سلطة بين رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية ممثلة في البرلمان - على اختلاف مسمياته - أما الأحكام الدستورية الجديدة بشأن المعاهدات تجلت في أمرين:

الأول: أن معاهدات الصلح والتحالف وكل ما يتعلق بحقوق السيادة لا يتم التصديق عليها إلا بعد استفتاء الشعب – وهو أمر واجب - لا تقدير فيه لسلطة من سلطات الدولة، وهذا القيد الواجب لا يخاطب فقط السلطة التي تبرم المعاهدة أو السلطة المقرر لها الموافقة فيما يدخل في اختصاصها الدستوري، وإنما يمثل النكوص عنه حال لزومه استدعاء سلطة القضاء ولا يدفع أمامه حال تعلق الأمر بفكرة أعمال السيادة، فتلك الأعمال وإن انطبقت على الحالة الأولى من المعاهدات،ليس بها الوصف، وإنما باعتبارها أعمالًا برلمانية مقرر لرقابتها قواعد خاصة، فإن القيود الدستورية والضوابط التي حددتها الفقرتين الأخيرتين من المادة (151) ترفع عن الأعمال المتصلة بها صفة كونها من أعمال السيادة ولا تقوم له أية حصانة عن رقابة القضاء.

الثاني: الحظر الدستوري الوارد في الفقرة الثالثة من المادة (151) بأنه لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة، وهذا الحظر لا يشمل التنازل فقط وإنما أية مخالفة لمبدأ دستوري آخر. وهو حظر لا يقف عند سلطات الدولة فحسب وإنما يمتد إلى الشعب ذاته، والذي قيدت إرادته في التنازل عن الأراضي أو مخالفة الدستور".

وأضافت المحكمة شارحة ما ذكرته لجنة الخبراء العشرة: "ويظل هذا الحظر قائمًا طالما سرى الدستور استنادًا لقاعدة قانونية مستقرة قوامها مبدأ سمو القواعد الدستورية وأنها طالما ظلت سارية ولم تعدل بالآلية الدستورية التي حددها الدستور ذاته تعين احترامها والالتزام بها ليس فقط من سلطات الدولة وإنما من سلطة الإنشاء ( الشعب ).

وبالرجوع إلى الأعمال التحضيرية للدستور تلاحظ أن لجنة الخبراء عند وضع نص المادة (1) من الدستور أشارت صراحة إلى اقتراح قُدّم من أحد الأعضاء بالنص صراحة أسوة بدستور عام 1923 على عدم جواز النزول عن أي من إقليم الدولة (الاجتماع الثاني للجنة الخبراء العشرة لمشروع التعديلات الدستورية في 23 من يوليو 2013 ص 13 وما بعدها) ".

خامسًا: مجلس الدولة الفرنسي بسط رقابته للتنازل عن الأرض منذ حكمه قضية Ministre de la Hallet "" والدستور الفرنسي أخذ بفكرة التنازل أو التبادل أو الضم للأرض وقيدها بموافقة الشعوب المعنية، والوضع في مصر يغاير تمامًا فرنسا في النصين الدستوريين المقابلين في البلدين:

وردا على ما ذكره رئيس مجلس النواب عن مجلس الدولة الفرنسي:

قالت المحكمة إن مجلس الدولة الفرنسي بسط رقابته على تنازل الأرض منذ قرن من الزمان "فحكم القاضي ملزم لمن تحاكم إليه، وينفذ حكمه قهرًا، أما آراء الفقهاء فإنها غير ملزمة في المنازعات بين الخصوم، إذ ليس من شأنه طلب الوثائق والبيانات واستشهاد الشهود واستحلاف أطراف النزاع وتوقيع الغرامات على من يتخلف عن إيداعها، وليس مجلسه مجلس إقرار، بخلاف القاضي في كل ذلك، ولأن القاضى شأنه الأناة والتثبت ومن تأنى وتثبت تهيأ له من الصواب مالا يتهيأ لغيره، ذلك أن حكم القاضي كشف للحقيقة، والفارق بينه وبين آراء الفقهاء، أن حكم القضاء قوامه الحسم والجزم واليقين وينهي النزاع بآلية ملزمة.

وقد حسم الحكم المطعون فيه بأسباب واقعية وقانونية بطلان تصرف جهة الإدارة بعدما تثبتت من مخالفته للدستور سيما الفقرة الأخيرة من المادة (151) منه والتي أفردت للتنازل عن أي جزء من الأراضي المصرية حكمًا خاصًا بها مانعًا للتنازل خلافًا لبعض الدساتير التي تجيز ذلك ومنها الدستور الفرنسي وفقًا للفقرة الأخيرة من المادة (53) من دستور الجمهورية الخامسة الصادر في 4 أكتوبر سنة 1958 التي تنص على أنه: (--Nulle cession، nul échange، nulle adjonction de territoire n’est valable sans le consentement des populations intéressées.)"

وأضافت المحكمة توضحيًا وفهمًا وليس تشريعًا وسنًا عن التفرقة بين نص الدستور الفرنسي ونص الدستور المصري ما يفيض علمًا وقالت: "ويعزى هذا النص الفرنسي تاريخيًا إلى أن فرنسا كانت مثل الدول الكبرى الاستعمارية - مجلس الدولة الفرنسي قضية "Ministre de la Hallet" سنة 1876 بإلغاء الحكم الصادر من أحد مجالس المديريات "Conceil de prefecture" بمسئولية الدولة الفرنسية عن الديون الناتجة عن أشغال عامة تمت في أرض تم التنازل عنها للدولة الألمانية - بما مؤداه أن الدستور الفرنسي أخذ بفكرة التنازل أو التبادل أو الضم للأرض وقيدها بموافقة الشعوب المعنية، والوضع في مصر يغاير تمامًا فرنسا في النصين الدستوريين المقابلين في البلدين، إذ حظر الدستور المصري التنازل عن أي جزء من الإقليم بصفة مطلقة على كافة السلطات وبهذه المثابة يختلف النص الدستوري في البلدين بين الإباحة المشروطة والحظر، ومن ثم وجب اختلاف الفكر الدستورى تبعًا له."

وأوضح المصدر القضائي أنه يبين من كل ما تقدم من علم وفن في فقه القانون أن كتب التاريخ والجغرافيا والقانون سوف تحاسب مجلس النواب لا القضاء لأن القضاء يصدر الأحكام باسم الشعب ولأن مجلس النواب لم يفند الحجج التاريخية والدستورية والقانونية التي أتت بها المحكمة الإدارية العليا في حكمها الساطع على نحو لم يقتنع به الشعب، ويبدو أن رئيس مجلس النواب لم يطلع على آراء العلماء والفقهاء المصريين والفرنسيين وغيرهم المدونة في الدوريات العلمية في أوروبا وفى المحافل الدولية التي أشادت بالمستوى العلمي المتميز لقضاة المحكمة الإدارية المصرية ودونها علماء القانون باستثناء فقهاء السلطة المعدودين على نصف أصابع اليد.

واختتم المصدر أن مجلس النواب يصور للشعب والرأي العام أن المحكمة الدستورية حسمت تبعية الجزيرتين للسعودية على الرغم من أن ولاية المحكمة الدستورية تنحصر فقط في مدى اعتبار ما فصل فيه القضاء الإداري عملا من أعمال السيادة من عدمه، وليس من اختصاص المحكمة الدستورية تحديد تبعية الجزيرتين لمصر أم للسعودية فذلك ما يخرج عن حدود ولايتها، ذلك لأنها ليست محكمة طعن للمحاكم العليا المصرية المتمثلة في محكمتي النقض والإدارية العليا، في الوقت الذي عجز فيه مجلس النواب الرد على الحجج التي ساقها كل من القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا أمام أعين الشعب.
الجريدة الرسمية