رئيس منظمة ماعت للتنمية: مصر الآن تحارب الإرهاب ومن الصعب عليها تحقيق التوازن بين الحريات والأمن
- هناك دول أسوأ من مصر في انتهاكات حقوق الإنسان ولكن العالم يغض الطرف عنها
- نتمنى غلق «قضية التمويل الأجنبي» وتقديم المتهمين للمحاكمة حتى يتضح من تورط ومن ظلم
- مصر ستواجه حرجًا كبيرًا أثناء عرضها لتقرير حالة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة
- السلطتان التشريعية والتنفيذية لديهما صورة ذهنية خاطئة عن العمل الأهلي
- ملف "حقوق الإنسان" يتطلب صياغة جديدة
ثلاثة أعوامٍ مضت على حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، انتقادات عدة وجهت من خلال منظمات المجتمع المدني، عن حالة الملف الحقوقي، وما آلت إليه أوضاع الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمواطن المصري، ومدى التزام الدولة المصرية بتعهداتها الدولية أمام الأمم المتحدة بجنيف.
أيمن عقيل، رئيس مجلس أمناء منظمة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، يكشف في حوار لـ"فيتو" إلى أي مدى وصل مؤشر حقوق الإنسان خلال فترة حكم «السيسي»، وما حجم الإنجازات والانتهاكات التي لمست الملف الحقوقي والناشطين الفاعلين به.
*ما تقييمك للملف الحقوقي خلال ٣ سنوات من حكم السيسي؟
لا شك أن هناك تدهورًا ملحوظًا في الملف الحقوقي، منذ عام ٢٠١١م ومستمر حتى الآن، وهذا يعود ليس فقط إلى تعاطي الأنظمة ورأس السلطة تحديدًا مع ملف حقوق الإنسان والفاعلين الرئيسين به، وإنما يعود بدوره إلى تعامل المجتمع مع حقوق الإنسان، لا سيما أن انتهاك بعض الجماعات الأصولية المتطرفة لحق الإنسان في الحياة، أصبح عبئا يضاف إلى تعامل الدولة السيئ مع هذا الملف ومن يتبناه، ففي هذه الظروف يصعب الحديث عن حقوق الإنسان، فنحن في شبه حالة حرب، وكل ما نتمناه خلال الفترة المقبلة أن تبني الدولة جسورا من الثقة بينها وبين منظمات المجتمع المدني، باعتبارها شريكًا أساسيا ومكملا لما تخفق في تحقيقه الحكومات.
*برأيك هل طرأ على الملف الحقوقي نوع من التطور خلال فترة حكم السيسي؟
لا.. على مستوى مجال حقوق الإنسان لم يشهد الملف أي تحسن بل ربما زاد تعقيدًا، خاصة أنه يتعلق بقضايا التعذيب وحرية الرأي والتعبير وتداول سلطة وغيره، وكذلك عقب الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الدولة حيال عدد من منظمات المجتمع المدني التي لها دور بارز في مجال حقوق الإنسان، ما بين منع من السفر ومنع التصرف في الأموال الخاصة، ولكن في المقابل شهدت الحقوق التنموية والاقتصادية تطورًا ملحوظًا، ولا سيما أن الدولة تتبنى خطة واضحة للتنمية، وحتى وإن لم نلمس نتائجها الآن ولكن من المؤكد أنها مستقبلا ستؤتي ثمارها، ربما مع عام ٢٠١٨، خاصة أن هناك أموالا تنفق على تطوير العشوائيات، البنية التحتية للدولة، ساهم فيها بشكل كبير منظمة المجتمع المدني، التي تلقت تمويلا ضخما تحت إشراف حكومي للقيام بدورها على أكمل وجه، يقدر بنحو ٦٥ مليون جنيه خلال عام ٢٠١٦، رغم البيروقراطية الرسمية والعقبات التي تواجهها المنظمات أثناء تنفيذ الأنشطة التنموية والاقتصادية.
*ما العوامل التي أدت إلى تراجع الدور الحقوقي خلال عهد السيسي؟
لا أحد ينكر أن ملف حقوق الإنسان في مصر، يعاني الكثير من الصعوبات والتحديات والعقبات التي تمارسها عليه السلطة خلال الفترة الحالية، وهذا يعود إلى أن السلطتين التشريعية والتنفيذية على حد سواء، لديهما صورة ذهنية خاطئة عن العمل الأهلي، والمؤسف أنها المسيطرة على كافة الإجراءات والقوانين التي تتعلق بمنظمات المجتمع المدني، والتي تجلت في إصدار قانون ٧٠ لسنة ٢٠١٧، الذي أقره البرلمان مؤخرًا بغالبية الأصوات وصدق عليه رئيس الجمهورية، رغم اعتراضات شديدة من الجماعة الحقوقية، والأصعب هو موافقة عدد من النخبة المثقفة المفكرة والمواطنين، الذين ثمنوا تقييد حق منظمات المجتمع المنظمات في حرية التنظيم وتلقى تمويلات خارجية بموافقة رسمية، لتنفيذ أنشطتها في ظل ضعف التمويل المحلي.
* ما الصورة الذهنية الخاطئة لدى السلطتين التنفيذية والتشريعية والتي كانت سببًا في تقييد عمل منظمات المجتمع المدني؟
على مدى سبع سنوات مضت، ونتيجة لما تداولته وسائل الإعلام من أخبار وما كشفته أجهزة الدولة من معلومات، تتعلق بتلقي تمويل أجنبي بالمخالفة القانون، والتحريض ضد مؤسسات الدولة وعرقلتها عن القيام بدورها، وبعض الشائعات التي ترددت عن تورط بعض هذه المنظمات في قضايا عمالة وتخابر مع الخارج، والتي لم تتجاوز الشائعات حتى الآن ولا سيما أنه لا أحد قدم للمحاكمة بشأن هذه الاتهامات، وإن كان جزء منها صحيحا لكنه ليس صحيحا على إطلاقه، إلا أنها تركت انطباعا سلبيا لدى الجهات الرسمية والشارع المصري، أن منظمات المجتمع المدني وجودها سبب رئيسي في خراب المجتمع، وهذا يؤكد مطالباتنا المتكررة بمحاسبة المخطئين وتحويلهم إلى المحاكمة.
*هل الرئيس السيسي قادر على خلق حالة التوازن بين إطلاق الحريات وتحقيق الأمن في ظل محاربة مصر للإرهاب؟
لا.. ففي حقيقة الأمر إنها معادلة صعبة، أعتى الديمقراطيات في العالم، عجزت عن تحقيقها في لحظات مواجهتها للإرهاب، ولكن من المؤكد أن الحلول الأمنية وحدها في هذه الظروف لا تكفي، فنحن في حاجة إلى حوار مجتمعي مع كافة الأطراف وكل التيارات السياسية، وإعادة الثقة بين النظام الحاكم والمعارضة المصرية، نحتاج أيضا إلى محاكمات ناجزة وتعديل في قانون الإجراءات الجنائية، والأهم نحتاج إلى إطلاق الحريات إلى جانب تطبيق القانون.
*على ذكر المعارضة هل يوجد في مصر معارضة حقيقية؟
الأحزاب السياسية هي جزء من المجتمع المدني بمفهومه الواسع، الذي يضم داخل بوتقته أيضا منظمات المجتمع المدني، النقابات، والاتحادات، ولكن منظمات المجتمع المدني فترة ما قبل ٢٠١١ وما بعدها، لعبت دورا أكبر بكثير من دور الأحزاب السياسية، ولا سيما أنها كانت سجينة الشرعية، في إسقاط صريح على تقييدها من خلال مواد قانون الأحزاب، كما أن الحركات الاحتجاجية والشبابية لعبت دورًا أكبر بكثير أيضًا، وكانت تتحرك بحرية في الشارع، وتعقد اجتماعاتها بحرية أكثر من الأحزاب.
*برأيك هل تستطيع منظمات المجتمع المدني القيام بدور المعارضة في ظل غياب الأحزاب؟
كان الخطأ الأكبر، أن منظمات المجتمع المدني، لعبت دور المعارضة، وخلطت بين العمل السياسي والنشاط الحقوقي، وهو سبب رئيسي في الخلاف بين الدولة وهذه المنظمات، ولكن من يقوم بدور المعارضة الحقيقي الآن على الساحة، هو الحركات أو التجمعات الشبابية الاحتجاجية، وكذلك القيادات داخل النقابات المهنية، وفي اعتقادي تحركات المعارضة الفعالة، انطلقت من التحركات النقابية وليست الحزبية.
*هل مصر دولة مؤسسات وما دليلك على ذلك؟
بالطبع، مصر دولة مؤسسات، والشاهد على ذلك وجود السلطات الثلاث "التنفيذية، التشريعية، القضائية" بالإضافة إلى مؤسسة الرئاسة، ولكن المشكلة تكمن في أداء هذه الكيانات، الذي يتسم بالضعف والتناقض، وهو ما أدى إلى حالة الارتباك التي يشهدها الشارع المصري عقب ٢٠١١، على سبيل المثال الدستور المصري أقر ثورتي ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، ولكن خطاب مؤسسات الدولة وتعاملها يؤكد عكس ذلك، وبالتالي هناك خلاف بين الدوائر السياسية والنخب والمفكرين والمواطن العادي حول ماهية الثورتين وما إذا كانت ٣٠ يونيو موجة ثورية أم ثورة مستقلة، وهناك من لا يعترف بثورة يناير بالأساس.
*على ضوء ذلك ما هو مدى تأثير قانون ٧٠ لسنة ٢٠١٧ المعروف إعلاميًا بتشريع «القصبي» على صورة مصر في الخارج؟
لا شك أن كل دول العالم تنظم تلقى التمويلات الخارجية لمنظمات المجتمع المدني، وهناك قوانين في بعض البلدان العربية أشد قسوة من هذا القانون، ولكن الأزمة هنا ترجع إلى الظرف التاريخي الذي أقر فيه هذا التشريع، وأما عن صورة مصر الخارجية، فتتحكم فيها الدبلوماسية المصرية، وهذا ما يوضح أن هناك دولا أسوأ من مصر في انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن دول العالم تغض الطرف عنها، ويرجع الأمر إلى أن هذه الدول تشكل لوبي دبلوماسيا قويا، ونتمنى أن تنجح الدبلوماسية المصرية التي تعمل باحترافية في الوصول إلى ما وصلت إليه هذه الدول.
*هل تخوفات النظام من المجتمع المدني أثرت سلبًا على تعاون المواطنين مع المنظمات المعنية ؟
بكل تأكيد، ولا سيما القضية الأخيرة المتعلقة بالإفراج عن الناشطة آية حجازى، التي سافرت إلى الولايات المتحدة على متن طائرة عسكرية، وبصحبة وزير الدفاع الأمريكي، وما تلاها من تصريحات «ترامب» الرئيس الأمريكي، الذي أشار إلى أن الإفراج عن «حجازي» لم يستغرق عشرة دقائق، هنا للمواطن كل الحق إذا تخيل أن منظمات المجتمع المدني تدار من مخابرات عالمية ولا سيما الأمريكية.
*ما العقبات التي ستواجه مصر في عرضها النهائي لتقرير الاستعراض الدوري الشامل أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف؟
من المؤكد أن الدولة المصرية ستواجه حرجًا كبيرًا أثناء عرضها للتقرير النهائي عن حالة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في مارس ٢٠١٩، ولا سيما أنها لم تحرز أي تقدم في ملفات شائكة كـ"المجتمع المدني والقانون المنظم لعمله، التعذيب، أحكام الإعدام، حرية الرأي والتعبير، التظاهر، وحرية عمل الصحفيين"، وإلى جانب آخر هناك تقدم إيجابي في بعض الملفات الأخرى.
*وهل هناك ملفات أخرى أحزرت فيها الدولة المصرية تقدمًا ربما يجمل وجهها في الأمم المتحدة؟
نعم، هناك ملفات أخرى من الممكن أن تضاف لمصر، وهي أن هناك لجنة حكومية، شكلت بقرار من رئيس الوزراء لمتابعة تنفيذ التوصيات التي تعهدت بها مصر أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان، ويتواصل معها منظمات المجتمع المدني، وكذلك تفعيل قطاع حقوق الإنسان، وتعديل المادة العاشرة من قانون التظاهر، هذا يعد انتصارا كبيرا، فضلا عن انتهاء ثقافة التستر على المسئولين الفاسدين والمخطئين، ولا سيما ضباط الشرطة، وذلك في حد ذاته نقلة نوعية، في تعاطي مؤسسات الدولة مع حقوق الإنسان، وهو ما شاهدناه في تحويل الضباط المتورطين في قضايا قتل إلى المحاكمة، وعلينا ألا نغفل في هذا الصدد أن مصر أكبر وأول دولة عربية مصدقة على عدد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
*ماذا تطلب من الرئيس عبد الفتاح السيسي؟
على الرئيس أن يبذل قصارى جهده مع الحكومة حتى يشعر المصري أنه مواطن في وطن، وليس فردا على أرض، ونتمنى أن يثق الرئيس في منظمات المجتمع المدني كما نثق نحن فيه، وإطلاق عملها مع محاسبة المخطئين، فالحرية المطلقة مفسدة مطلقة، ونتمنى في عام ٢٠١٨ غلق القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١ المعروفة إعلاميًا بـ«قضية التمويل الأجنبي» من خلال تقديم المتهمين للمحاكمة حتى يتضح من تورط ومن ظٌلم.