هل تصلح إعلانات التوعية ما أفسده السياسة والاقتصاد؟
تعوّد المشاهد أن يضرب مواعيد مع مسلسلات رمضان، هذا الصيف وجد المشاهدون أنفسهم على موعد مع حملة إعلانية تخاطب المواطن، وصانع القرار وتركز على مواجهة الفساد.. إعلانات "حق المواطن في المعرفة" للكاتب إبراهيم عيسى والفنانة إسعاد يونس تطالب صاحب القرار بأن يتواصل مع المواطن، وأن يُطًلعه على ما يحدث حتى يشعر المواطن بالمسئولية الاجتماعية وأن يتفهم الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد.
إعلانات "المطبلاتي والمقللاتي" تطلب من المواطن أن يكون ذات توازن في تقييمه للأمور، وأن يكون ذات نظرة موضوعية.. أما إعلان "لو بصينا في المراية" فيهدف إلى وقفة مع النفس حتى نتخلص من الفساد الذي استشرى في المؤسسات المختلفة.. إعلانات محاربة الفساد تبدو أنها شغلت مساحة كبيرة من الرأي العام حتى أن جريدة "الحياة اللندنية" كتبت تقريرا عنها بعنوان "إعلانات التوعية حول الفساد تشغل شباب مصر عن السياسة والمسلسلات".
الواضح أن هذه الإعلانات وبخاصة إعلانات "حق المواطن في المعرفة" و"المطبلاتي والمقللاتي" تهدف إلى إصلاح العلاقة بين صانع القرار والمواطن، وهي مع ذلك تتجاهل المشكلة الرئيسية والتي تبدو واضحة من إعلانات "حق المواطن في المعرفة".. اختزال العلاقة بين صانع القرار والمواطن في صورة "إخبار المواطن بما يحدث يعكس كيفية صناعة القرار في مصر.. المشكلة أن المواطن لا يشارك في صناعة القرار، فالقرارات تتخذها الحكومة، ومن بعدها يبصم مجلس النواب ويوافق على هذه القرارات "دعمًا لمصر"، والمواطن يتحمل نتائج هذه القرارات.
كيف يشارك المواطن في صناعة القرار؟ ليس فقط من خلال الندوات ولكن من خلال وجود عملية سياسة حقيقية لا يغضب فيها صانع القرار من النقد، وتشارك فيها الأحزاب والهيئات المختلفة.. الإحباط الذي أصاب الناس بعد ثورتين ليس ناتجًا فقط لصعوبة الأوضاع الاقتصادية ولكن الإحباط سياسي-اقتصادي، فمطالبة المواطن بأن "يقف على جنب" وأن يصفق للقرارات أو يتوقف عن نقدها، قد تكون مقبولة إذا ما رأى المواطن أن هذه القرارات تنعكس إيجابيًا على ظروفه المعيشية وأوضاعه الاقتصادية.
وحتى فيما هو بعيد عن الاقتصاد، فأزمة "تيران وصنافير"، تعكس تغييب دور المواطن؛ لأن صانع القرار يتصرف فيها مثل تصرفه في سائر القرارات السياسية والاقتصادية، على أنه يعرف أكثر من المواطن "الجاهل" الذي ينساق وراء إعلام لا يهمه غير النقد "عمّال على بطّال"، أو إعلام لا يفهم طبيعة المرحلة الدقيقة التي تمر بها مصر، وربما يهدف لإثارة اللغط.. والمواطن هنا ليس فقط المواطن البسيط، ولكن جميع المواطنين بمن فيهم الخبراء في الاقتصاد، ورجال الأعمال، ورجال السياسة.
إذا رغبت الدولة في مواطن يتحمل مسئوليته الاجتماعية فعليها أن تجعله شريكًا في صناعة جميع القرارات بداية من قرارات إعفاء الدواجن المستوردة من الرسوم الجمركية الذي تم اتخاذه ثم إلغاؤه ونهاية بقرارات إنشاء عاصمة إدارية وتحرير سعر الصرف وزيادة أسعار الفائدة.
نعود إلى السؤال الرئيسي: هل تُصلح إعلانات التوعية ما أفسده السياسة والاقتصاد؟ حسنًا إعلانات التوعية تقول للناس كيف يجب عليهم رؤية القرارات سياسية كانت أو اقتصادية، الأهم من ذلك أن ينخرط الناس وبخاصة الشباب في المشاركة في صناعة القرار، وأن تكون مشاركتهم جادة ومسموعة لدى صانع القرار، وقتها سنجد المواطنين أكثر اقتناعًا بالقرارات السياسية والاقتصادية دون الحاجة إلى إعلانات للتوعية.. عندما تصل الدولة إلى آلية حقيقية يمكن من خلالها للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء السياسيين والشباب في صناعة القرار، ستتحول بعض القرارات من قرارات على المواطن أن يتحملها إلى أهداف يسعى المواطن لتحقيقها.. ودون ذلك ستكون إعلانات التوعية مثل الأدوية التي تساعد على الهضم، وقتما انتهى مفعولها يعود عسر الهضم من جديد.