«غرابيب سود» أثار جدلا بين المشاهدين ونهايته كانت أغرب
سلط مسلسل "غرابيب سود" الضوء على طبيعة الحياة داخل تنظيم "داعش"، ما خلف ردود أفعال متباينة على مواقع التواصل من قبل المشاهدين العرب. البعض قال إنه محاكاة لواقع مؤلم، وآخرون انتقدوا ربط المسلسل التنظيم الإرهابي بالهوية الإسلامية.
في خطوة مفاجئة توقف مسلسل «غرابيب سود» الذي يتـحدث عن تنـظيم ""داعش"، وأعلنت مجموعة قنوات «إم بي سي» عن توقف عرض المسلسل المثير للجدل، والذي يعرض خلال السباق الدرامي الرمضاني لهذا العام عبر شاشتها، وبعض الشاشات العربية ومنها محطة «ال بي سي» و«المستقبل» اللبنانيتان.
العمل يحاكي الحياة في ظل “دولة الخلافة" لتنظيم "داعش" وتجنيد الفتيات والشباب، وبذلك يكون المسلسل قد اقتصر على 20 حلقة فقط وعرضت الحلقة الأخيرة منه بشكل مبتور.
وعادة تعرض المسلسلات خلال شهر رمضان على مدى 30 يومًا، ما أثار تساؤلات كبيرة من المتابعين حول توقف المسلسل، فرجح البعض أنه قد خطط للمسلسل منذ بدء عرضه أن يكون 20 حلقة، وأشار البعض إلى إمكانية توقف العمل في ظل الانتقادات الحادة التي طالته.
وحاول المسلسل إطلاع المشاهد العربي على كواليس هذا التنظيم، وسلط الضوء على التغيرات الاجتماعية والسياسية التي رافقت انتشاره. وبحسب القائمين على المسلسل فالهدف منه هو تشويه صورة التنظيم في ذهن المشاهد، غير أن المشاهدين العرب انقسموا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض للكيفية التي عالج بها المسلسل هذه الظاهرة.
"الواقع الذي لا نرغب فيه"
كان لمسلسل "غرابيب سود" وقع الصدمة على بعض المشاهدين العرب، بعد مشاهدتهم عبر المسلسل سلوكيات التنظيم وسياسته التي تسببت بالكثير من الدمار داخل العالم العربي، فقد تمنى بعضهم أن يكون ما شاهده مجرد تمثيل وليس أمرًا واقعًا. في حين انتقد أخرون ربطه بالدين الإسلامي. آخرون رأوا أن المسلسل يفضح المتطرفين ورجال التنظيم ولا يربطه بالدين الإسلامي أي رابط.
وربط بعض المعلقين كثرة الانتقادات الواردة بحق المسلسل بنجاح الفكرة، وقالوا إن كثرة الانتقادات تؤكد أنه فرض نفسه على المشاهدين وعلى أنه "يحمل فكرة جيدة، جاءت بعد سنوات لتفضح سلوكيات داعش السوداوية والتي تفوق الخيال" كما غردت ياسمين بريك على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وتساءلت بريك في نهاية تدوينتها أنه بالرغم من كل هذا "هل ما زال هناك مشككون؟".
فيما أعتبر مغرد آخر أن مسلسل غرابيب سود يمثل "مأساة شعب وكربة أمة وحزن دين" وأكمل "كنت أتمنى أن توجد ترجمة باللغة الإنجليزية، ليعرف العالم عن هذه المأساة". وتابع بأن هذا المسلسل الممول سعوديا يعتبر أفضل دراما مثلت الحياة تحت ظل تنظيم داعش الإرهابي، وأردف قوله "أن كل ما يجري في المسلسل جرى بحذافيره وأكثر داخل الموصل والمدن التي وقعت تحت سطوة الإرهاب" وأرفق تدوينته بهاشتاج #رمضان النصر #ورسائل إلى الموصل، دلالة على اقتراب دحر داعش في الموصل.
يكافح داعش أم يخدمه؟
من جهة أخرى حصد المسلسل العديد من الانتقادات حيث تساءل عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي حول هدف القائمين على المسلسل، إذ اعتبر بعضهم أن المسلسل "يقدم خدمة مجانية للتنظيمات المتطرفة ويصور المسلمات السنيات بمظهر اللاهثات وراء الجنس"، في إشارة إلى تطرق المسلسل لما يعرف بجهاد النكاح، والذي أثار جدلًا واسعًا بين النشطاء.
كذلك انتقد آخرون "اقتباس اسم المسلسل من الآية الكريمة والتي ليس لها صلة بداعش، معتبرين ذلك جهلًا من القائمين على العمل". ودعت إحدى المعلقات على فيس بوك وتدعى غدير طيره إلى تجنب مشاهدة المسلسل ومنع الأطفال بالأخص من ذلك، لما يمكن أن يتركه من تأثير سلبي عليهم بسبب مشاهد القتل والذبح والاغتصاب.
واختار البعض الآخر التعبير بسخرية عن انتقاده للمسلسل كما جاء في تدوينة نيكولاس الخوري، الذي قال إنه شاهد حلقة واحدة فقط من المسلسل وفي حالة مشاهدة حلقة أخرى، من الممكن أن يتحول إلى داعشي! وأرفق تدوينته بهاشتاغ # نكتة احتياطية. ورأى المعلق نضال حمدي "أن المسلسل يشوه الحقيقة، وأن داعش أسوأ بكثير مما صوره المسلسل الذي أخفق فنيًا ومعرفيًا في تجسيد واقع التنظيم الحقيقي".
معضلة البحث عن جواب
ولتحليل أسباب موجة ردود الأفعال المختلفة على المسلسل، ترى الإعلامية والكاتبة فرح مرقة في حوار معDWعربية، أن سبب الاختلاف بين المشاهدين راجع بالأساس إلى أن المجتمع العربي تشبع بشكل أو بآخر بالصورة التي طالما أراد داعش عكسها عن نفسه، وسخر لها تقنيات سينمائية عالية والتي مفادها أن داعش تنظيم قاسي، وقوي، وصاحب أيدلوجية عميقة وفكر حقيقي.
وتؤكد مرقة أن أي مناقضة لهذا المفهوم، بدا وكأنه شيء غير مرحب به في العقل الباطن للمشاهد العربي. المسلسل بين رجال التنظيم بأنهم ضعاف أمام شهواتهم، وغير أقوياء، بل هم يلهثون وراء المصالح والمتع، وهو ما جعل البعض يعتقد بأن المسلسل جانب الصواب، أو أنه لم يوفق في تصويرهم بحسب الإعلامية الأردنية.
وقدم المسلسل أمثلة كثيرة على ذلك لعل أبرزها كانت شخصية مفتي التنظيم، وكيف أنه بالأساس شخصية غير متوازنة تسخر سلطتها الدينية وتستغل الأطفال والنساء للتنفيس عن شهواتها المكبوتة.
وتوضح الكاتبة الصحفية أن محاولات الدراما تسليط الضوء على الإرهاب هي محاولات استشراف لما يحدث ولا تمثل الحقيقة ولا الأشخاص من داخل التنظيم،وتضيف: "قد يعكس العمل الدرامي جانب من الحقيقة، إلا أن أي عمل درامي خلفه أجندة معينة، والأجندة المعلن عنها بـ"غرابيب سود" هي رفض التنظيم".
نجاح داعش في تصوير نفسه
وتؤكد مرقة "بأن هذا وإن دل على شيء، فهو يدل على أن داعش نجح في تصوير نفسه كتنظيم بطل". وتوضح أن محاولات الدراما تسليط الضوء على الإرهاب هي محاولات استشراف لما يحدث ولا تمثل الحقيقة ولا الأشخاص من داخل التنظيم.
وتضيف "قد يعكس العمل الدرامي جانب من الحقيقة، إلا أن أي عمل درامي خلفه أجندة معينة، والأجندة المعلن عنها بـغرابيب سود هي رفض التنظيم".
وحول تطابق هذه الأجندة مع الخطاب السياسي السعودي بشأن محاربة الإرهاب وداعش على وجه الخصوص، ترى مرقة أن السعودية على أرض الواقع هي دولة تحارب الإرهاب بالمال والإعلام لأنها اليوم جزء من التحالف الدولي إلا أنه بالمقابل يرى المجتمع الدولي أن الموقف السعودية ضعيف في هذا المجال، لأن لديها مشكلات محلية موجودة مثل قمع الحريات والتشدد الديني. وتقول:"محاولة السعودية إنتاج مسلسل بهذا الشكل يرفض الفكر الداعشي ويظهره على أنه فكر سطحي وسخيف كما جاء في "غرابيب سود" هي على الأغلب محاولة من السعودية لنفي تهمة تمويل الإرهاب عن نفسها".
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل