ائتلاف هدم الدولة
شهر رمضان بالنسبة لى هو شهر المراجعة وغسيل الروح السنوى، وعادة ما أتوقف فيه عن الكتابة وأي أنشطة أخرى لإعطاء مزيد من الوقت للتفكير والتدبر وإعطاء مزيد من الوقت للعائلة والأهل.
لكن البعض وبنية غير سوية قرر أن ينتهك سلام الشهر الفضيل لتمرير قرارات معيبة ظانا أن رمضان هو شهر الغفلة والسكوت عن قول الحق.
الحقيقة أن قضية اتفاق ترسيم الحدود البحرية والمعروف بقضية تيران وصنافير وضعتنا جميعا أما المرآة نرى فيها صورتنا الحقيقية لنتطلع عما وصلنا إليه بعد كل ما حدث خلال السنوات الماضية، أي منذ قيام ثورة يناير 2011، وما قدمه شعب مصر من أرواح أبنائه ومقدراته في سبيل بناء دولة مدنية دستورية حديثة.
وأبدأ بتلخيص ما حدث كما أراه:
1-زيارة الملك سلمان عاهل المملكة العربية السعودية ومظاهر احتفالية غير مسبوقة تضمنت توقيع رئيس الوزراء على اتفاقية ترسيم الحدود في حضور رئيس الجمهورية دون سابق نقاش برلمانى أو شعبى وبالمخالفة لنصوص الدستور الذي حدد طريقة عقد الاتفاقيات المتعلقة بحقوق السيادة بأربع مراحل واضحة لا لبس فيها أولها تفاوض حول بنود الاتفاقية ثم عرض على البرلمان لمناقشة –حقيقية– ولا تكون للموافقة إلا بنسبة الثلثين ثم استفتاء شعبى وفى حالة الموافقة تتم الإجراءات الدستورية بتوقيع رئيس الجمهورية وفى كل الأحوال لا يجوز عقد أي اتفاقية تتضمن التنازل عن جزء من إقليم الدولة كما نص الدستور.
2- قام مواطنون مصريون برفع دعوى بطلان هذا التوقيع لتضمنه تنازلا عن جزيرتى تيران وصنافير المصريتين بالمخالفة للدستور ولمخالفة توقيع رئيس الوزراء للإجراءات الدستورية لعقد معاهدات متعلقة بحقوق السيادة حتى لو لم تتضمن على التنازل المحرم عن الأرض.
3- في رد فعل غريب ومشين أعلن وزير العدل أن المحكمة ستفصل في الدعوى خلال أسبوعين وأن الاتفاقية ستصل إلى البرلمان في غضون شهر وقام بعد ذلك بزيارة إلى مجلس الدولة!
4- حددت المحكمة أول جلسة لنظر الدعوى بعد ما يقرب من شهرين متمسكة باستقلال القضاء ورافضة للتدخل السافر المعلن وغير المسبوق للسلطة التنفيذية.
5- رئيس الجمهورية يتناول الموضوع في إحدى لقاءاته ويفاجئ الجميع بعبارات لا تمت للدستور ولا القانون بصله ويقول بصريح العبارة آمرا أن لا يتكلم أحد في الموضوع مرة ثانية وأنه لا يجب على الشعب أن يسمع من أحد غيره !
6- محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة بعد شهور من نظر الدعوى ودراسة كل المستندات المقدمة تقضى ببطلان توقيع رئيس الوزراء على الاتفاقية كما هو متوقع لمخالفتها كل مواد الدستور.
7- رئيس البرلمان أستاذ القانون يبدى رأيا مسبقا ويحاول التضامن في الدعوى مع الحكومة رغم أن البرلمان من الممكن أن تحال إليه الاتفاقية للدراسة والمحكمة ترفض تداخله في القضية.
8- الحكومة وفى تصرف غريب وشائن تصر على مخالفة الدستور والتنازل عن الأرض وتطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا ومجلس الوزراء يستمر في مناقشة الاتفاقية بالمخالفة للدستور والقانون وأحكام القضاء ثم يستبق حكم الإدارية العليا – ربما لعلمه برفض الطعن – ويحيل القضية إلى البرلمان.
9- المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار العظيم يحيى دكرورى تصدر حكما تاريخيا تقع حيثياته في نيف وخمسين صفحة ترفض فيه طعن الحكومة وتفند كل ادعاءاتها وتذكر صراحة أن كل المستندات تثبت أن الأرض مصرية وكل أحكام الدستور تتنافى مع توقيع رئيس الوزراء على هذه الاتفاقية الباطلة وأن الحكومة فشلت في تقديم مستند واحد يشكك في سيادة مصر على الجزيرتين منذ الأزل.
10- البرلمان يقرر "مناقشة" الاتفاقية في شهر رمضان وأنه لن يعتد بأحكام القضاء النهائية بمصرية الجزيرتين ويتم تمرير الاتفاقية بعد تمثيلية هزلية ومخالفات كارثية ودون أي نقاش حقيقى أو تشكيل لجان فحص مستندات أو غير ذلك ورئيس البرلمان يرفض مداخلات النواب ويرفض طلب أكثر من سبعين نائبا بالتصويت نداء بالاسم في استكمال للمخالفات الصارخة ويفض الجلسة بعض إعلان موافقة البرلمان النهائية على الاتفاقية!
هذا ما رأيته في تلك القضية المصيرية حتى الآن وانقسام الشعب المصرى، فمؤيدو السلطة تأييدا مطلقا يتكلمون عن الثقة ويرفضون رفضا قاطعا أن يروا أبعاد المهزلة التي حدثت حتى الآن ويتخيلون أن الأمور ستنتهى عند هذا الحد وأن السلطة في مصر لا راد لكلامها وأن الشعب مجرد قطيع عليه أن يتبع الراعى.
وظهر واضحا بما لا يدع مجالا للشك أن ما يسمى "ائتلاف دعم مصر" هو مجرد امتداد لكل الكيانات التي حرصت السلطة في مصر منذ عام 1953 على وجودها لإعطاء شكل لديمقراطية وهمية قاعدتها أن رئيس الجمهورية لا راد لكلامه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ورغم اختلاف أسماء هذه الكيانات من هيئة التحرير إلى الاتحاد الاشتراكى ثم حزب مصر ثم الحزب الوطنى حتى وصلنا إلى دعم مصر ورغم أن هذه الكيانات ضمت شخصيات غاية في الاحترام والعلم فإن ذلك لم يمنعهم أن يقبلوا أن يكونوا مجرد أداة في يد السلطة تنتهك بها الدستور والقوانين وترفض الخضوع لسيادة القانون كما ينص الدستور ليكون هذا الكيان معولا يتم به هدم الدولة الدستورية.. دولة سيادة القانون وهدم المؤسسات الدستورية وأهمها البرلمان لتكون مجرد كيانات كارتونية هزلية وظيفتها مجرد وضع خاتم الدولة على رغبات من بيده السلطة.
إن ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية ليس فقط انتهاكا واضحا للدستور وتقويضا لدعائم الدولة الدستورية وتحويلها إلى دولة شمولية تخضع لرغبات السلطة الديكتاتورية والحكم فيها مطلق لرأس السلطة التنفيذية ولا يعترف فيه بأحكام القضاء النهائية لكنها تضمنت إهانة بالغة للشعب المصرى، حيث لم يستح هؤلاء أن يتخذوا بعض الإجراءات الشكلية لإضفاء بعض الجدية على تمرير الاتفاقية الباطلة بل كان لديهم من الجرأة وآسف لو قلت اللفظ الصحيح فهذه ليست جرأة كان لديهم ما يكفى من البجاحة أن يفتح باب النقاش ويغلق في دقائق دون قراءة ورقة أو سماع شهادة أو تشكيل لجنة من خبراء تفحص مستندًا، ولنا أن نتخيل ما يجرى في القضايا الأخرى إذا كان هذا ما حدث في واحدة من أكبر قضايا السيادة الوطنية منذ قضية طابا في الثمانينيات.
وأقول لهؤلاء لقد أخطأت حساباتكم والشعب صاحب السلطة والسيادة ولن يقبل أن يبيع الأرض بأى ثمن أو ضمن أي اتفاقيات وأن حساباتكم الخاطئة لم تتضمن أن مصر ما زال بها رجال لا يخشون في الحق لومة لائم ويفدون كل ذرة رمل من تراب الوطن بأرواحهم.