رئيس التحرير
عصام كامل

كلمة السر هايدي فاروق


أقر البرلمان ظهر أمس الأربعاء في جلسته العامة اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية وقضى بسعودية جزيرتي الخلاف تيران وصنافير، ويبقى أن يصدق الرئيس السيسي عليها ليتم تنفيذها، ومع ذلك فإن الخلاف والانقسام لا يزال محتدما، وفي القلب منه لغز اسمه هايدي فاروق، طفح ظهورها مرتبطا بمناقشة ملكية الجزيرتين.. فمن هي حقا هايدي وما سر الظهور الموسمى لها؟ وما حقيقة عملها بمكتب اللواء الراحل عمر سليمان؟ وهل هي قابلة للإظهار والاستخدام في مناسبات أخرى يسخن فيها تحالف الخامس والعشرين من يناير؟!


مرة أخرى وبعد عام، وفي أعقاب الدفع بها بعد زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة، ظهرت الدكتورة المستشارة هايدي فاروق، هي زوجة السفير مدحت القاضي، وهي قدمت نفسها في البرلمان أمام أعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية بصفتها دكتورة ومستشارة وخبيرة في ترسيم الحدود والسيادة الدولية والثروات العابرة للحدود، أي أنها عالمة في جغرافيا ما فوق الأرض وما تحت الأرض، في المناطق المتنازع عليها، وأنها صرفت وقتا طويلا وزوجها السفير مدحت القاضي في توثيق وجمع المعلومات والخرائط التاريخية الخاصة بأماكن كثيرة ملتهبة ملتبسة، تجد ضالتها دوما وغالبا في الأرشيف القومي الأمريكي، وفي الأرشيف البريطاني، اللذين ملأت منهما سبعة صناديق، احتوت على 75 مستندا يبرهن على أن جزيرتي الخلاف تيران وصنافير الواقعتين في زور خليج العقبة مصريتان.

لم تحضر معها الصناديق ولا الوثائق، لكنها أحضرت معلومات تنطق بها، وطلبت إخراج الزملاء الصحفيين المندوبين في البرلمان من الجلسة بحجة عرض المستندات، لم تعرض مستندات، لأن الصحفيين لم يخرجوا، ولأن رئيس البرلمان الدكتور عبد العال رفض وقال كله بالشفافية ! وسواء جاءت ومعها السبعة صناديق، أو لم تجئ، فإن ما يلفت النظر حقا هو قولها إن المخابرات العامة برئاسة اللواء الراحل عمر سليمان وإن القوات المسلحة بقيادة وزير الدفاع المشير طنطاوي الأسبق، كلفاها بإجراء بحث وتحقيق تاريخي في ملكية جزيرتي الخلاف تيران وصنافير، وكان ذلك في عام 2006، وأحد الرجلين، اللواء عمر سليمان توفاه الله والآخر لا يزال فينا على قيد الحياة وهو المشير طنطاوي متعه الله بالصحة، وتبقى شهادته واجبة وحاسمة.

هل حقا تم تكليفها وزوجها مدحت القاضي السفير بالخارجية المصرية، بالتحقيق في ملكية جزيرتي الخلاف تيران وصنافير أم لا، وهل بالفعل هي عملت في مكتب مدير المخابرات الراحل اللواء عمر سليمان أم لا، هذه الشهادة سوف تقطع الشك باليقين فيما وجهه المستشار مرتضى منصور إلى هايدي من عبارات وأسئلة تشكك في تكليفها من أصله، وطالبها بإظهار خطاب التكليف بالمهمة، بل تساءل عن جنسيتها، ولما بكت منسحبة شيعها بقوله "التقيل جاي يا هايدي".

لابد أن يخرج المشير طنطاوي إذن ليقطع بوجود تكليف من عدمه، وليقطع أيضا هل اعتدت القوات المسلحة بالصناديق السبع ووثائق أرشيفي الأمريكان والإنجليز؟ وهل أيضا اعتدت المخابرات بما جاءت به أبحاث مدحت وهايدي؟

حين غادرت هايدي الجلسة باكية تقول إن عندها "بيبي عايزة تربيها وأنها زوجة لدبلوماسي، وأنها مصرية بنت مصرية"، يلفت النظر إلى أنها لم تنسب بنوتها إلى أب مصري، بل إلى الأم، ولعل هذا ما يفسر طبيعة السؤال التشكيكي الذي وجهه مرتضى منصور إليها، ثم يفجر اللواء يحيى الكدواني، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان والوكيل السابق بالمخابرات العامة مفاجأة مع عمرو أديب بقوله:

"هايدى فاروق مستشار قضايا الحدود والسيادة الدولية والثروات العابرة للحدود، لم تحضر وثائق ولكنها تدعى أن لديها وثائق، وهى ليست في مكتب عمر سليمان ولم تكن يوما من ضمن العاملين في المخابرات العامة"، مشددا على أنه كان وكيلا سابقا بالمخابرات العامة، و"هي طُلبت مرة أو مرتين لاكتشاف حقيقة أو مناقشة موضوع، وليست من ضمن العاملين في المخابرات العامة، متسائلا: "لماذا لم تحضر الوثائق التي قالت عليها؟".

لقد فتن الناس على صخرتين بينما انكسرت كل الفتن السابقة على صخرة التماسك والوعي والثقة، ولابد أن نتساءل بقوة عمن يريد التشكيك في وطنية القوات المسلحة ومخابراتها والقيادة السياسية، إننا نثق ثقة مطلقة في الرجال الذين يحمون هذا الوطن بالدم والعلم والصبر والحكمة، إن مزاد التخوين المتبادل في الوقت الراهن أعطى الفرصة لدعاة الخراب لإعادة ضخ السموم في الرئة والمخ المصريين، يبقى القول إن الدولة وفي القلب منها رئيس البرلمان هما جزء كبير من المشكلة بسبب سوء الإخراج والعرض والعنت والاستعلاء والإفصاح بتحد عن عدم الاعتداد بأحكام القضاء، سواء كانت جزيرتا الخلاف مصريتين أو سعوديتين، ولقد أقر البرلمان بسعودية الجزيرتين، ولا نظن الإقرار قضى على الخلاف! الخطوة التالية تقع على الطريق نحو الدستورية العليا.
الجريدة الرسمية