تيران وصنافير.. وأزمة إدارة الأزمة
عبثا تحاول إقناع صانع القرار في مصر بأنه عليه أن يتريث قبل اتخاذ بعض القرارات المصيرية، ليس بالضرورة لأن قراره خاطئ فقد يكون قراره صحيحًا، ولكن اتخاذ القرار يجب أن يراعي المكونات المرتبطة به ورد فعل الرأي العام؛ ولأن هذا لم يحدث في قضية تيران وصنافير، فقد تحولت قضية تيران وصنافير لأزمة ناتجة عن فشل في إدارتها.
قضية تيران وصنافير تحولت إلى أزمة ذات شقين: إدارية، فالدولة اتخذت القرار بسعودية الجزيرتين وعندما وجدت معارضة شعبية، وقانونية، بدأت تبحث عن مخرج للموضوع بشكل يبدو معه القرار يتفق والقانون، لعل المعارضون يقتنعون، وهو ما أدى لأزمة ثقة بين المقتنعين بمصرية الجزيرتين والمؤيدين لقرار سعودية الجزيرتين.
وقبل أن نقع في إشكالية عدم المنهجية، فإنها من المهم أن نقدم هنا تعريفا لماهية الأزمة.. الأزمة – وفقا لتعريف الدكتور على الرويعي- هي حالة توتر ونقطة تحول تتطلب قرارا ينتج عنه مواقف جديدة، سلبية كانت أو إيجابية، تؤثر فى مختلف الكيانات ذات العلاقة.
من بين خصائص الأزمة عدم التوقع، فصانع القرار اعتمد في قراره على عقيدة أن الحكومة دائما على حق في قراراتها، لأن الحكومة تعرف أكثر في قضية تيران وصنافير لما لديها من وثائق تقول بسعودية الجزيرتين، ولم تتوقع أن يكون هناك غضب شعبي، من قطاع كبير من الناس، قد يقول صانع القرار أو مؤيدوه إن المعارضين "قلة"، لكن ذلك لا ينفي وجود الأزمة.
من بين تعريفات الأزمة هي أنها: موقف عصيب يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية، فقضية تيران وصنافير تعبر عن موقف عصيب قسم الناس إلى نصفين مؤيد لقرار الدولة ومعارض له.
ولأن القرار لم يتوقع رد الفعل الشعبي، تحولت قضية تيران وصنافير إلى حالة من التوتر، ازدادت الأزمة عندما لم تتخذ الحكومة قرارا يتفاعل مع الرأي العام المعارض وبخاصة مع صدور حكم قضائي بمصرية الجزيرتين، فصدور حكمة قضائي يسقط الحكم الأول لم يكن كافيا لاحتواء المعارضين.
من بين خصائص الأزمة أيضا سرعة تلاحق الأحداث والشعور بضغط الوقت، فمنذ صدور حكم قضائي بمصرية تيران وصنافير والحكومة تلهث وراء إيجاد مخرج يؤيد قرارها، وبدلًا من أن يتم اللجوء لاستفتاء شعبي، تم اللجوء للبرلمان باعتباره ممثلا للشعب، لأن صانع القرار يعرف أن البرلمان سيصوت لمصلحة قرار الحكومة.
قد تفوز الحكومة في النهاية بقرار من مجلس النواب بسعودية الجزيريتن، ولكن ذلك لا يعني أن أزمة الثقة التأمت، فأزمة تيران وصنافير تعكس كل عورات غياب الديمقراطية القائمة على دور حقيقي للأحزاب، لكن في العهود المماثلة لعهد الاتحاد الاشتراكي لا تأمل كثيرا في تناول ديمقراطي للقرار.
قد يكون صانع القرار قد درس الموضوع جيدا واتخذ قراره عن يقين، ولكن لا يعني ذلك بالضرورة أن قراره صحيح وبخاصة في وجود حكم قضائي بإبطال ترسيم الحدود البحرية ومصرية الجزيرتين، كان الأولى بصانع القرار الاحتكام إلى المصريين وليس إلى البرلمان لأن الجميع يعرف أن البرلمان الحالي لا يمثل جميع المصريين.