المصريون بين جدال الحاضر وتزييف التاريخ

فارق كبير بين أن تعرف الحدث، وبين أن تكون لديك القدرة على تحليله وربطه بالأحداث التي سبقته والمعاصرة له والتالية عليه، فالأولى هي المعرفة، والثانية هي الوعي، وشتان ما بين الثرى والثريا.

ولأن الوعي أمر عزيز بين البشر فقلما تجد واعيا بما يدور حوله، لكنّ كثيرا ما تتعثر فيمن يردد مقولات الآخرين وإن اختلفت ألفاظه عنهم، ولكن العجيب هو أن ناقل أفكار الآخرين اكثر ثقة في نفسه.

ما سبق يؤكد أن ما يمر به المصريون اليوم من صراع جدلي هو حالة من الجهل المركب، الذي يجهل أصحابه أنهم جهلاء، وأن غالب المتشاكسين لو كانوا من أهل الوعي لما اختلفوا أصلا، وإلى الله المشتكى.

ولأن التاريخ غالبا ما يكون حكما بين المختلفين، فإنه وللأسف الشديد هو أكثر العلوم تعرضا للتحريف والتزييف، وهو أمر لم يخل منه أي عصر من العصور، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى.

ففي بدايات القرن المنصرم استدعى الملك فؤاد أستاذا إيطاليا وطلب منه كتابة تاريخ أسرة محمد على، خاصة الخديو إسماعيل والد ملك مصر نظرا لانتقاد الحركة الوطنية لإسراف إسماعيل والديون وبالطبع جاء التاريخ تلميعا لأسرة لها ما لها وعليها أكثر، ولم نعد نسمع الصوت المعارض الذي كان يهزأ بمحمد على «سرششمة» وبقي الصوت القائل إن الباشا ساكن الجنان هو باني مصر الحديثة، حتى لو كان صاحب الصوت الأول هو الجبرتي المعاصر لصعود محمد على إلى سدة الحكم.

حتى الزاعمون أنهم أهل الدين والورع والتقوى لم يحرموا تزييف التاريخ، بل اعتبروا التزوير قربة يتقربون بها إلى الله، على الرغم من أن الكذب هو أول النفاق، وأبرز هؤلاء هم جماعة الإخوان الإرهابية التي يزعم قادتها أن كبيرهم حسن البنا أرسل 10 آلاف مقاتل إلى حرب فلسطين، وكانت أول كتيبة في الحرب مشكلة من الإخوان على الرغم من أن كل المعاصرين للحرب أجمعوا على أن حزب مصر الفتاة شكل أول كتيبة للمتطوعين وأرسلها إلى فلسطين وكانت تسمى كتيبة (مصطفى الوكيل) وسافر أحمد حسين بنفسه مع الكتيبة بصفته زعيم الحزب، في وقت لم يكن فيه الإخوان أرسلوا متطوعا واحدا للقتال ومنشغلين بضرب مؤسسات المصريين اليهود في الداخل.

فإذا كان التاريخ معرض للتزييف ويقع في فخاخه من ليس لديهم وعي، فالأولى أن يكون وعي الأحداث المعاصرة أشق وأصعب، ولكن تحول الجميع إلى خبراء، وصارت مواقع التواصل الاجتماعي ساحات معارك لم يجن المصريون منها سوى المزيد من الفرقة، على الرغم من أن الخالق القدير حذر من الاختلاف قائلا «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ».

فالمصريون في خطر حقيقي ليس بسبب عدوهم الخارجي أو الداخلي، ولكن في المقام الأول بسبب الفرقة والخلاف.