رئيس التحرير
عصام كامل

كارثة..اختفاء الأنسولين يهدد حياة آلاف الأطفال.. «التأمين الصحي» يوفر عبوة واحدة فقط للطفل المصاب.. والشركات توقفت عن توريد أجهزة تحليل السكر منذ 12 شهرا.. أطباء: الطفل يحتاج للتحليل 4 مرات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

محمد.. أب لطفلتين الكبرى في الصف الثالث الابتدائى والثانية لا تزال في الصف الأول من المرحلة ذاتها، يعمل مدرسا في إحدى مدارس التعليم الصناعي، من محافظة الشرقية اكتشف إصابة ابنتيه بمرض السكرى بعد تعرضهما لهبوط مفاجئ للسكر أسفر عن إصابتهما بغيبوبة دون أن يدري، وسرعان ما ذهب بهما إلى مستشفى الزقازيق الجامعي، التي ظل فيه يومين وبعد إجراء التحاليل والفحوصات اكتشف إصابة طفلتيه بالمرض اللعين.


بعدما أفاق الأب المكلوم من صدمة إصابة ابنتيه.. بدأ معهما رحلة العلاج من المرض التي لن تنتهي، وسأل عن أفضل الأماكن التي توفر علاجا، فوصف زميل له وحدة علاج السكر بمستشفى جامعة عين شمس ليبدأ في اتخاذ الخطوات اللازمة لإلحاق ابنتيه بها، وأصبح ينفق شهريًا على علاج الطفلتين 2000 جنيه في ظل ضعف الراتب الذي يحصل عليه، فلن يكفى حجم المعيشة الصعبة حاليًا ولا يمكنه إهمال علاج الطفلتين.

“محمد” وصل إلى مسامعه من أحد المترددين على عيادة مستشفى الدمرداش أن التأمين الصحى يوفر “الأنسولين” ويوفر جهازا لقياس السكر والشرائط مجانا للأطفال، وفور تأكده من الأمر سرعان ما أسرع الخطى لـ”مبرة الزقازيق” في محافظة الشرقية أملا في الحصول على العلاج ولو دفع نصف التكلفة والحصول على الجهاز إلا أنه اصطدم فور سؤاله عن العلاج بجملة “الشركات لم تورد لهم أجهزة منذ عام، الشرائط الخاصة بالتحليل سوف تصرف له عبوة واحدة شهريًا إذا وجدها، وسنصرف حقن الأنسولين لك على أن تتحمل جزءا من التكلفة”.

وفقًا للإحصائيات التي أكدها عدد من أساتذة “السكري” فإن هناك طفلا من بين كل 1000 طفل مصاب بالسكري، ويوجد وفقا للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ما يقرب من 33 مليون طفل تحت عمر 18 سنة، أي إنه يوجد ما يقرب من 33 ألف طفل مصاب بالسكرى في مصر، وصنفت مصر من أكبر 10 دول بها مصابون بالسكري، ويوجد 7.8 ملايين مريض بالسكرى من البالغين، ويوجد 3.2 من المصريين يجهلون إصابتهم بالمرض، ويتم إنفاق 25.2 مليار جنيه سنويا، مقسمة إلى 20% من القطاع الحكومى سواء التأمين الصحى أو نفقة الدولة و80% يتحملها المريض.

تجدر الإشارة هنا إلى أن مضاعفات المرض تتراوح بين أمراض القلب والأوعية الدموية واعتلال الشبكية وارتفاع الكوليسترول بالدم وضغط الدم والسكتة الدماغية وأمراض الكلى والتي يصل إليها في الغالب جميع مرضى السكري.

بدورهم.. أكد أطباء السكرى أن سوء الأوضاع الاقتصادية تسبب في إهمال الآباء لأبنائهم في إجراء التحاليل بعد ارتفاع أسعار مستلزمات تحاليل نسبة السكر، إلى جانب نقص الإمكانيات بمستشفيات التأمين الصحى وعدم توافر الأنسولين، وهو ما دفع أهالي الأطفال المرضى إلى شرائه من الخارج بالصيدليات ومن لا يقدر على شرائه يهمل في الانتظام في جرعات العلاج والتحاليل.

من جانبه كشف الصيدلى على عبد الله، مدير مركز الدراسات الدوائية، عن ارتفاع أسعار الشرائط المستخدمة في تحاليل السكر إلى ثلاثة أضعاف وجميعها مستوردة ولا يوجد منها صناعة محلية ومنها أنواع مختلفة حسب الجهاز المستخدم في التحليل الألماني، والياباني، والسويسري، وارتفع سعرها من 150 إلى 300 جنيه للعبوة الواحدة بعدما كانت من 75 إلى 150 جنيها، وجميع الأنواع في الأغلب لا تكون متوفرة في السوق.

وأشار إلى ارتفاع سعر حقن الأنسولين وأنواعه متعددة وكذلك المستلزمات الخاصة بمرضى السكرى والتحليل منها “شكاكات السكر” التي يتم من خلالها سحب عينة الدم ارتفع سعرها إلى الضعف من 20 إلى 35 جنيها، موضحا أنها عبارة عن عبوة تضم مجموعة إبر، فضلا عن سن قلم الأنسولين الذي يركب للقلم ويتم حقن الأنسولين به ارتفع من 1.5 إلى 2.5 جنيه يستخدم مرة واحدة، والشركات التي تستورد أجهزة قياس السكر والمستلزمات الخاصة به جميعها خاصة تتراوح بين 3 و4 شركات.

ولفت الانتباه إلى أن الأنسولين أنواع مختلفة منها الحقنة والأنسولين الذي يؤخذ عن طريق القلم ويتم ملء القلم أو من خلال قلم جاهز، مؤكدا أن جميع الأنواع تصلح للكبار والأطفال لكن باختلاف الجرعات منها أنواع للأطفال ناقصة وغير متوفرة، موضحًا بمثال بعض الأقلام ثمنها 100 جنيه وكل قلم به 300 وحدة تكفى أسبوعا ولا يمكن حقنة مرة أخرى ويستخدم لمرة واحدة.

كما أشار إلى أن استهلاك شرائط التحليل والأنسولين يزيد في شهر رمضان نتيجة كثرة إجراء التحاليل للمرضى الذين يصرون على الصيام لضبط نسبة السكر لديهم في الدم والالتزام بجرعات الأنسولين عكس الأيام العادية.

في ذات السياق قالت الدكتورة منى سالم، أستاذ طب الأطفال والسكرى بكلية الطب جامعة عين شمس: التأمين الصحى يغطى كل أطفال المدارس المصابين بالسكرى من خلال عيادات تأمين صحى بالمحافظات، إضافة إلى “المعهد القومى للسكر” والعيادات التخصصية في المستشفيات الجامعية، كما أنه يتم تقديم العلاج لــ 4 آلاف طفل مصاب بالسكرى في “وحدة السكر” بجامعة عين شمس وتوفير الأجهزة والأنسولين لهم مجانا، فضلا عن أن القطاع الخاص يقدم 20% من الخدمات المقدمة للأطفال المصابين بالسكرى للفئات القادرة على العلاج على نفقتها الخاصة.

وأوضحت أن الطفل يحتاج إلى إجراء كشف دوري مستمر وتحليلات دورية كل 3 شهور وكل سنة، مشيرة إلى أن حقن الأنسولين تقدم في مستشفيات التأمين الصحى مجانا للأطفال وأنواع أخرى تقدم إليهم بنصف الثمن ويدفع المريض النصف الثانى من التكلفة.

كما أكدت أن الأطفال المصابين بالسكرى يواجهون مشكلة صرف الشرائط لهم، حيث تصرف لهم عبوة واحدة شهريا، بينما يحتاج الطفل 4 عبوات شهريا من الشرائط، مشيرة إلى ارتفاع تكلفة العبوة إلى 200 و300 جنيه وزاد سعرها للضعف بدلا من أن كانت بــ100 جنيه، وتكلفة علاج الطفل شهريا لا تقل عن 1000 جنيه في حالة حصوله على الأنسولين من التأمين الصحي.

وأشارت إلى أن بعض الأطفال، الذين ينتمون لعائلات ميسورة الحال يمكنهم تركيب مضخة لإعطاء الأنسولين للجسم، دون حقن على نفقتهم الخاصة، والتي تصل تكلفتها مرتفعة تصل إلى 68 ألف جنيه، وعدد قليل من يركب تلك المضخة، وفى جميع دول العالم المتقدمة توزع تلك المضخة على المصابين بالسكرى مجانا من خلال نظام التأمين الصحى لديهم، بينما في مصر نظرا لارتفاع تكلفتها لا توزع على المرضى.

كما كشفت أن أنواع الأنسولين ارتفع ثمنها، ولكن بنسب لم تتخط حاجز الـ 10% مقارنة بالشرائط التي زادت للضعف، مؤكدة أن أهل الطفل الفقراء في تلك الحالات يهملون في علاج أطفالهم وعدم إجراء التحاليل بانتظام لهم، خاصة أن الطفل يحتاج للتحليل 4 مرات يوميا.

بدورها قالت الدكتورة وئام الفاروق، استشارى طب الأطفال وأمراض السكري: الطفل عندما يكتشف إصابته بالسكرى تنقلب حياته رأسا على عقب، وكذلك الأسرة خاصة أنه يعتمد على الأنسولين طوال حياته ويحصل على حقن 4 مرات يوميا ويحلل 4 مرات وأحيانا تصل إلى 7 مرات قبل وبعد الأكل خاصة عند تعرض الطفل للهبوط أو ارتفاع نسبة السكر ويستهلك شرائط كثيرة، ومع ارتفاع الأسعار يضطر الأهالي إلى تقليل عدد المرات التي يتم التحليل فيها بسبب ارتفاع السعر.

وتابعت حديثها: عدم التحليل بانتظام يؤثر سلبا في الأطفال خاصة عند ارتفاع نسبة السكر في الدم دون أن يدرى الأهل، ما يسبب له مضاعفات على المدى القريب وهى الهبوط وإغماء وتؤثر سلبا في تحصيله الدراسى وتأثيرها على المدى البعيد يكون في غالبية أجهزة الجسم والأوعية الدموية والقلب بعد مرور سنوات.

وواصلت حديثها: الدولة تتحمل جزءا من تكاليف علاج الأطفال من خلال التأمين الصحى ولكن ليس بأكمله وتوفر جزءا من الشرائط والأنسولين بأنواع مختلفة منهم المجانى ومنهم بتكلفة، كما أن كل أنواع الأنسولين تعطى نتائج جيدة للطفل، والتأمين الصحى يوفر جهاز قياس السكر مجانا من خلال تبرعات الشركات، كما أن كل أسرة يكون لديها طفل مصاب بالسكرى سواء فقيرة أو ذات مستوى مادى مرتفع تشعر بالعبء الاقتصادى من تكاليف علاج السكري، خاصة مع استمرار العلاج إلى مالا نهاية.

الدكتورة وئام الفاروق، أنهت حديثها بقولها: 90% من إصابات السكرى لدى الأطفال من النوع الأول ويعتمد على تناول الأنسولين وتحدث الإصابة بالسكرى نتيجة حدوث خلل في البنكرياس لدى الأطفال وتركيبات جينية ولا يشفى منه نهائيا، ومؤخرا بدأ يتردد على عيادات الأطفال حالات مصابة بالسكرى من النوع الثانى الذي يصيب الكبار نتيجة السمنة التي يتعرض لها الأطفال في أعمار من 10 إلى 15 سنة، نتيجة قلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة والاعتماد على الأغذية السريعة.

“هيئة التأمين الصحى تنفق ملايين الجنيهات على مرضى السكرى للأطفال وطلاب المدارس حسب الميزانية المخصصة لها ولا تبخل عليهم”.. هذا ما أكده الدكتور على حجازي، رئيس هيئة التأمين الصحي، وأكمل قائلا: يتم إنفاق ما يقرب من 121 مليونا و636 ألفا و387 جنيها على أدوية علاج السكرى سنويا فقط، بخلاف المستلزمات الخاصة بالأمراض المصاحبة للسكرى مقسمة إلى 87 مليونا و740 ألفا و750 جنيها على حقن الأنسولين، و33 مليونا و895 ألفا و637 جنيها على أدوية تؤخذ بالفم لمرضى السكرى فقط من خلال 99 مركزًا بالمحافظات، وعدد المرضى الذين يتم علاجهم يبلغ مليونى و345 ألف مريض سكري.

"نقلا عن العدد الورقي"...
الجريدة الرسمية