رئيس التحرير
عصام كامل

القطار إسباني والطبع مصري


كان من المفترض أن تستغرق رحلة القطار من القاهرة للإسكندرية أقل من ثلاث ساعات فاستغرقت قرابة خمس ساعات وبالكاد استطعت الوصول إلى لجنة الامتحان في الجامعة ولولا الحظ لضاعت درجة الماجستير.


ولأن الخاص يرتبط أحيانًا بالعام، فالرحلة كانت فرصة للانتباه أن تسمية القطار الفرنساوي أو الإسباني لا تشير إلى طبعه المصري فهو عادة لا يهتم بمواعيده مما يجعل تأخر ميعاد وصول الرحلة فرصة للتعارف بين المسافرين حتى تحولت عربة القطار إلى مجتمع مؤقت يتشارك المآسي بشأن المواعيد الضائعة، ويتبادل النقاش حول رفض التنازل عن تيران وصنافير والموافقة على قطع العلاقات مع قطر بجانب تقييم مسلسلات وبرامج رمضان.

قبل سنوات شاهدت فيلما أجنبيا ترجمة عنوانه (غير قابل للإيقاف) يتحدث عن قطار خرج عن السيطرة ويحاولون إيقافه، وأعتقد أن معظم قطاراتنا خرجت من التاريخ وفي حاجة لإيقاف التدهور وإصلاح المنظومة بأكملها مع التذكر أننا الدولة الثانية في العالم في إنشاء السكك الحديد لذا علينا أن نهتم بألا نكون الدولة الأخيرة في مستوى الخدمة.

كنت قد انتهيت من امتحاني وبقيت ساعات قليلة على موعد قطار العودة بينما انطلق مدفع الإفطار، فتوجهت لأحد المطاعم ليفاجئني الجرسون بتقديم كوكتيل عصير فاكهة يسمونه الإسكندر الأكبر فأدهشني حال الرجل الذي ظن يومًا أنه حكم العالم ليتحول بعد ألفي عام لكوب عصير يُباع في المدينة التي أسسها مثلما تحولت آخر ملكات البطالمة لماركة سجائر تُعرض في أكشاك المدينة التي ضمت يومًا قصرها الذي تباهى المؤرخين في وصف عظمته!

في طريقي لمحطة القطار شاهدت عمارة الإسكندرية المائلة والتي تعد شاهدًا معاصرًا على تدهور حال المدينة التي تعرضت عبر التاريخ لكوارث ومحن مدمرة منها الزلازل، والحروب، والحرائق وحاليًا المحليات.

جلست في مقعدي في طريق العودة وتلقيت مكالمة من صديق يسألني عن ميعاد وصولي فأخبرته بأنني لا أعرف تحديدًا لأن القطار إسباني لكن طبعه مصري.
الجريدة الرسمية