رئيس التحرير
عصام كامل

قطر بعد عزلها بين الحضن التركي والفخ الإيراني.. «تقرير»

فيتو

أفرز الزلزال السياسي الذي ضرب الخليج تداعيات لا تخلو من غرابة آخرها سعي أنقرة لنشر جيشها بقاعدة تابعة لها في قطر، ما يعني إفراز تحالفات جديدة لا تخلو من تناقضات يؤسسها غموض يجعلها عصية الفهم سياسيا واستراتيجيا.

وبعد أن قطعت السعودية ودول عربية أخرى علاقاتها مع الدوحة، وافق البرلمان التركي على نشر قوات تركية في قطر. ورغم أن الخطوة تطبيق لاتفاق دفاعي يجيز نشر قوات تركية في قطر أبرم عام 2014، إلا أن توقيت تطبيقه يحمل رسالة دعم سياسي للدوحة في وقت تحاول فيه السعودية وحلفاؤها عزل قطر سياسيا واقتصاديا.

ولم يحدد مشروع القرار الذي وافق عليه البرلمان عدد الجنود الذين سيتم إرسالهم إلى القاعدة ولا موعد إرسالهم، إلا أن بعض المراقبين اعتبروا الخطوة التركية، في هذا الظرف بالذات، مؤشرا على تشكل تحالفات جديدة ستعيد خلط الأوراق في منطقة شديدة التعقيد أصلا.

ويرى سليمان نمر، رئيس الملتقى الخليجي للدراسات والتحليل السياسي، أنه يجب التذكير بأن "القوات التركية موجودة أصلا في قطر وتدرب القوات القطرية، لكن الإعلان عن إرسال قوات تركية في هذه المرحلة رسالة دعم سياسي لقطر، بمعنى أن تركيا تقف كحليف لقطر في أزمتها الحالية أمام التحالف السعودي الإماراتي المصري".

تجذر العلاقة التركية
الدعم العسكري التركي لقطر بعد عزل الأخيرة من قبل جيرانها، منطقي بالنظر لطبيعة العلاقات بين البلدين اللذين يدعمان حركات الإسلام السياسي مثل حركة الإخوان المسلمين وحماس، وتربطهما أيضا علاقات ودية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبهذا الصدد أوضح نمر أن "التحالف التركي القطري أعمق من التحالف السعودي التركي. التحالف التركي القطري أمني، سياسي واقتصادي ولقطر استثمارات ضخمة في تركيا، والعكس صحيح". وهنا بيت القصيد فهذا الموقف السياسي للدوحة هو الذي جلب لقطر غضب مصر والسعودية والإمارات والبحرين. دول تتهم قطر بالتغريد خارج السرب سواء من حيث العلاقة مع إيران أو من حيث دعم الإخوان المسلمين.

غير إن موقف أنقرة ليس سهلا وهو ما فسر تردد أردوغان في بداية اندلاع الأزمة وعرض وساطته داعيا للتهدئة قبل أن ينتقد بشكل واضح العقوبات على قطر في مرحلة ثانية. وإضافة إلى البعد الإيديولوجي من حيث دعم حركات الإسلام السياسي هناك بعد اقتصادي يفسر الدعم التركي؛ إذ تعتبر قطر مستثمرا كبيرا في تركيا. كما فازت شركات تركية بعقود تفوق قيمتها 13 مليار دولار في مشاريع البنى التحتية في قطر لها صلة بتنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022. أما نشر الجنود الأتراك في قطر فيكتسي بعدا سياسيا أكثر مما هو عسكري "فالمواجهة العسكرية مستبعدة وغير مطروحة أساسا. ولا أعتقد أن السعودية تسعى لقيام بعمل عسكري لتغيير النظام القائم في قطر" على حد تعبير سليمان نمر.

ووضعت هذه الأزمة تركيا في موقف لا تحسد عليه، لأن صلابة علاقتها مع قطر لم تمنعها من إقامة علاقة جيدة مع السعودية. وليس من الواضح لحد الآن كيف سترد الرياض على أنقرة ومدى التداعيات السلبية للخطوة التركية على العلاقات بين البلدين. غير إن مصلحة الرياض تقتضي أيضا عدم استعداء قوة إقليمية كتركيا، أما العلاقة التركية مع الإمارات فهي علاقة في الأساس متوترة لكون الإمارات تعتبر نفسها متزعمة معسكر الممانعة ضد الإسلام السياسي.

أما "علاقة تركيا بالكويت مثلا فلن تتأثر لأنها لم تتخذ لحد الآن موقفا، ونفس الأمر ينطبق على عُمان، لكننا نعلم أن لمصر علاقة عدائية مع تركيا"، كما يوضح نمر.

حضن تركي وفخ إيراني
تعتبر العلاقات المفترضة لقطر مع إيران من أسباب الأزمة الحالية؛ فقد طالبت البحرين من قطر الابتعاد من إيران الخصم اللدود لدول المنطقة وهي اتهامات نفتها قطر وقالت إنه لا أساس لها من الصحة. التحالف التركي القطري يعني على الأقل أن قطر لن تذهب إلى الحضن الإيراني. "والمعروف أن قطر دخلت في مواجهات مع إيران في سوريا واليمن، ودعمت المعارضة التي تحارب النظام السوري المدعوم إيرانيا. بمعنى آخر أن قطر، حتى لو عرضت عليها إيران الدعم والمساعدة فإنها لن تذهب بعيدا اتجاهها"، على حد تعبير نمر.

وبهذا الشأن اعتبر الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وزير الخارجية البحريني، أن "البحرين عانت من التآمر القطري عليها: من دعم للمخربين وللمنظمات التي تستهدفها، إلى حملات التشويه الإعلامية التي مارستها قطر عبر ذراعها الإعلامية تجاه مملكة البحرين". وشدد على أن شروط عودة العلاقات هي "تصحيح السياسات القطرية والمسار الذي اتخذته دولة قطر، والابتعاد عن عدو الخليج الأول إيران التي تتآمر على دول الخليج للهيمنة عليها".

ومهما كانت دوافع السعودية وحلفائها، فإن المراقبين يستغربون من حدة هذه الأزمة غير المسبوقة، ذلك أن عزل قطر وربما استعداء تركيا يعني عمليا إضعاف المعسكر السني الذي تسعى الرياض عمليا لتقويته في مواجهة إيران. وبهذا الشأن قال سليمان نمر: "أتابع الشأن الخليجي منذ أربعين سنة، واستغربت لهذا القرار ولم أكن أتوقع أن تصل الأمور لحد طرد قطر من التحالف العربي الذي يحارب في اليمن. والذي يزيد استغرابي هو عدم وجود شفافية بشأن القرارات السياسية التي تتخذها دول الخليج".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية