رئيس التحرير
عصام كامل

عزالدين شكرى فشير يشارك قراءه بقصة "المكتب"

الكاتب عز الدين شكري
الكاتب عز الدين شكري فشير

شارك الكاتب عز الدين شكري فشير جمهوره عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بنشر قصة قصيرة بقلم أحد طلابه من دارسي اللغة العربية في كلية دارتموث، بعنوان «المكتب».


ومن أجواء القصة:
انتقلت إلى الأردن وعمرها ٢٣ سنة. في الفلبين كانت طبيبة. في الأردن هي عاملة منزلية، أو خدامة، أو كما يقول بعض الأردنيين في جملة: "شي فلبينة". تتكلم اللغة التاغالوغية والإنجليزية بطلاقة. في المكتب حاولت أن تتذكر إذا قُدم إليها عقد عملها بالعربية أم بالإنجليزية في بداية هذه الأزمة.

- بالإنجليزية
ردت على المحامية.
- إندونيسية؟ فلبينية؟
- فلبينية
- متى جئت إلى الأردن؟
- منذ سنة
- متزوجة؟
- لا
- أطفال؟
- نعم
- كم؟
- واحد، في الفلبين
- مسيحية؟ مسلمة؟ بوذية؟
-....
- ماذا؟
- مسيحية؟
- أين تسكنين؟
- الدوار السابع
- معك جواز السفر؟
- لا
- أين هو؟
- أخذوه مني عندما خرجنا من المطار
- من؟
- أحد الرجال، أعتقد أنه صديق كفيلي. طلبت منه أن يعطين إياه مرات كثيرة ولكنه رفض. يريد مني ألفًا دينارًا وليس عندي المال
- ما اسم كفيلك؟
- علاء الغزاوي
- عندك رقم تليفونه؟
- ها هو
- كنت تشتغلين في بيت واحد أم أكثر من بيت؟
- عمومًا في بيت واحد، ولكن أحيانًا طلبوا مني أن أشتغل في بيوت أصحابهم أو أقاربهم
- متى كنت تشتغلين؟
- من الساعة الخامسة صباحًا إلى منتصف الليل
- كيف كان الأكل؟
- أعطوني ما لم يأكلوه
- سمحوا لك باتصال بعائلتك في الفلبين؟
- نعم
- من دفع؟
- اتصلت بهم على حسابي
- كم دفعوا لك بالشهر؟
- 300 ولكنهم لم يدفعوني بعد الشهر الثالث
- دولار أم دينار؟
- دولار
- أين كنت تنامين؟
- في الشرفة
- كانوا يصرخون فيك؟ يضرّبونك؟
- نعم
- من؟
- زوجة كفيلي، كانت تغار مني. قالت إنني أحاول أن أسرق زوجه منها لأنه كان يحاول أن يغتصبني...
- حبيبتي...
تنهد شابٌ كان جالسًا في الجهة المقابلة للطاولة في المكتب. نظر إليها وإلى المحامية، هز رأسه، ولمس جبهته مع يده. بدا يعود إلى الكتابة.
- متى هربت؟
- منذ أسبوع. قفزت من الطابق الثاني في الليل. الآن أنا أبيت عند صديقتي
- وماذا تريدين؟ جواز سفرك؟ أن تسافري؟
- أريد أن أسافر وأريد أجر الشهور التسعة الذي لم يدفعوه لي
- تمام، خذي هذه الورقة. رقم ملفك ٤٢، اسم محاميتك بسمة. سنرى ماذا يمكنا أن نفعله

هكذا، بعد ٢٠ دقيقة لاغير، غادرت ذلك المكتب في الطابق الخامس في عمارة مثل كل العمارات الأخرى في عمان. شعرت بالأمل للمساعدة التي وجدتها أخيرًا وبسعادة لتنفس هواء ليس ممتلئًا بدخان السجائر. نظرت من الشباك إلى حمام يتمشي فوق سطح عمارة أخرى، ثم، إلى رجل يعبر قطعة أرض شاغرة في الأفق. حاولت أن تقرأ أية القرآن فوق زر المصعد بينما كانت تنتظر وصوله.
مثل كل يوم، رفض سائق التاكسي أن يستخدم العداد لأنه فهم أنها لا تستطيع أن تنتظر في الشارع وهي بدون تصريح عمل أو إقامة. جلست وراءه بينما كان يحاول أن يكتب رسالة إلكترونية بيد ويدخن باليد الأخرى. نظرت إلى مسبحة الصلاة في معصمه الأيمن. تنهدت وتنسمت رائحة عمان في المساء، ذلك الخليط من التلوث ونوع من البؤس. نظرت إلى هاتفها: رسالة جديدة من "زين"! ضحكت وفكرت في النكتة التي حكت له صديقتها: "مع عدد الرسائل التي يرسلها زين إليّ لا أحتاج إلى صاحب!" كانت الشمس تغرب. تأملت في الألوان الجميلة المنتشرة على الشارع واللوحات الضوئية العديدة في جانبيه. بعد أن تجنب سائق التاكسي مالا يقل عن خمس حوادث، دفعت له ٧ دنانير وصعدت سلم شقة صديقتها.
مرّ أسبوعين ولم تسمع شيئًا من المحامية. لا أحد اتصل بها من المكتب. بدأت تفقد الأمل. عندما اتصلت به في الصباح رد عليها صوت أمرة تقول "مركز الدعم للمساعدة والمساندة. أه حبيبتي، المحاميون في المحاكم الآن، حاولي مرة ثانية بعد الظهر". ولكنهم بعد الظهر كانوا يتغدون. بعد ثلاثة أسابيع، قررت أن تذهب إلى المكتب.
كما المرة الماضية، فتحت الباب امرأة كبيرة في السن، دون أن تتكلم أو توجهها. هذه المرة لم تنتظر بجانب المدخل. وقف الشاب وأشار إليها أن تجلس إلى الطاولة، ابتسما. كان المكتب مزدحمًا جدًا. كانت عاملات مهاجرات تجلس على كل الكراسي وتجبن نفس الأسئلة التي أجابت عليها؛ رأت الملفات المتروكة على مكاتب المحاميين. في تلك اللحظة أحست بالتعاطف. كان هناك نساء يضحكن ونساء يصرخن. ركز الشاب على حاسوبه وهو يهمس بالعربية والإنجليزية. بدت بسمة ومحامية أخرى تشعران بالإحباط. استمعت إلى المحادثات حولها.
- "هربت من كفيلي الأول ولكن الشرطة أحضرتني إليه"
"وأفرد التقرير مساحة للحديث عن التوقيف الإداري للعمال المهاجرين، أن عدد العمال الوافدين الموقوفين إداريا في مراكز الإصلاح والتأهيل أو بالمراكز الأمنية، بلغ نحو ١٩٨٦٠٠ العام ٢٠١٥، فيما تبلغ نسبة غير الأردنيين المحتجزين أو الموقوفين ٤٪ من عددهم الإجمالي."
- "حبيبتي، انتظري"
- "تركوني على عتبة السفارة بعد سقطت من الشباك، أمروني أن أنظفها"
"رغم أن التشريعات الأردنية المادة ١٠٠ المعدلة من قانون أصول المحاكمات الجزائية نصت على أن مدة توقيف المشتكى عليه لدى مراكز الشرطة ٢٠ ساعة يجري بعدها إحالته إلى المدعي العام، باعتباره الجهة القضائية المختصة بإجراء التحقيق، إلا أن مراكز الشرطة لا تزال تحتجز الوافدين لمدة تفوق هذه المدة، ومن خلال مقابلات نحو ٢٨١ ممن جرى احتجازهم أفادوا ببقائهم في مراكز احتجاز الشرطة لمدة تتراوح من يوم إلى ١١ شهرًا."
- "ربطني إلى كرسي في القبو. حرقني بسكين حار على ذراعي. قال إن ذلك سيعلمني ألا أهرب من البيت مرة ثانية."
الأربع الجالسون على الطاولة سكتوا. كانت الجروح قاتمة على جلدها. ثم، شرحت المحامية أنها لا تستطيع أن ترفع شكوى لأن ذلك حدث منذ ثلاث سنوات.
"ثم، أكد التقرير أن ليس هناك أمل."

خرجت من المكتب. تأملت في الآية على الحائط، وسائق التاكسي الذي كان يلعب بهاتفه، والمسبحة المعلقة على مرآة الرؤية الخلفية، والتلوث، ودخان السجائر، والضوء، والجدران المغطية برسوم، وال- اصطدم التاكسي بتاكسي آخر. خرجا السائقان وبدءوا يتجادلان في الشارع. جاءت الشرطة المرورية راكبة درجات نارية. استجوبتها الشرطة عن الحادث، في نهاية النقاش سألتها عن أوراقها.
- هناك أمر بحث عنك بتهمة السرقة من كفيلك... علاء الغزاوي، صح؟
- نعم، يا أستاذ
- تعالي.

- يقولون إنك هربت منذ شهر، هل هذا صحيح؟
- نعم، يا أستاذ
- أوجدت كفيل جديد؟
- لا، يا أستاذ
- هل عندك الفلوس لدفع الغرامات؟
- لا، يا أستاذ
- تعالي

انتظرت في السجن. اتصلت بمركز الدعم للمساعدة والمساندة. جاءت المحامية لتزورها. ساعدتها في قضية السرقة ولكنها لم تسمع أخبار منها بعد ذلك. لم تستطع العودة إلى الفلبين حتى يتم دفع غرامات تواجدها في الأردن بدون تصريح عمل أو تصريح الإقامة. كما إن التهريب يتطلب مالا كثيرا - تذاكر الطائرة غالية. تنهدت، على الأقل، لم تذق ثقل التلوث في هواء الخيلية كما في شوارع عمان، فقط طعم البؤس.
.....

من: المجموعة الأخيرة، طلبة Arabic43: Modern Short Story & Poetry
الجريدة الرسمية