رئيس التحرير
عصام كامل

أهل القضاء أدرى بقضاته!


بداية فقد استوحيت عنوان هذا المقال من كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسي التي أدلى بها بجلسة "نموذج محاكاة الدولة العصرية" في إطار فاعليات المؤتمر الوطني للشباب الذي انعقد بمحافظة الإسماعيلية خلال الفترة من الخامس والعشرين حتى السابع والعشرين من شهر أبريل الماضي، وهي الجلسة الثانية من جلسات اليوم الثالث والأخير، إذ قال الرئيس بالنص أثناء حديثه: "اللي يعرف القضاء مش أنا هم أهل القضاء"، بعد أن سبقها مباشرة بقوله: "إحنا في وضع محتاجين فيه نتكاتف مع بعضنا البعض.. لكل مؤسسة من مؤسسات الدولة احترامنا وتقديرنا.. واحنا عايزين نحافظ على الكل.. أنا ماليش وصاية على حد أنا مسئول معكم عن دولة وعايزين نثبِّتها.. مش عايزين حد يتغول على الآخر أنا مش عايز أتغول على حد كسلطة تنفيذية".


ومع اقتناع رئيس الجمهورية صراحة بأن الأعلم بالقضاء هم أهل القضاء، فإنني أرى في الأفق قرارًا جمهوريًا ساطعًا بتعيين المستشار يحيى دكروري رئيسًا لمجلس الدولة بعدما رشحته الجمعية العمومية الخاصة لمستشاري مجلس الدولة منفردًا ليكون قاضي قضاة مجلس الدولة بجلستها المعقودة في الثالث عشر من شهر مايو الجاري، فأعضاء تلك الجمعية العمومية الخاصة هم رئيس مجلس الدولة ونواب رئيس مجلس الدولة ووكلاء مجلس الدولة والمستشارون الذين شغلوا وظيفة مستشار لمدة سنتين على الأقل، بمعنى أن أحدث قاضٍ في هذه الجمعية أمضى في العمل القضائي عشر سنوات على الأقل، وأعتقد أنهم أهل القضاء وفق تفسيري لمقاصد السيد الرئيس، وهاهم اختاروا دكروري رئيسًا لمجلس الدولة ورُفع الترشيح بعدها إلى مؤسسة الرئاسة انتظارًا لصدور القرار الجمهوري بتعيين رئيس مجلس الدولة الجديد.

وأعلم ويعلم غيري من عموم الشعب المصري أن قرارات السيد الرئيس تصدر بناءً على قناعاته الفكرية وبعد مشورة أصحاب الاختصاص، فمن ناحية فكرة فقد أدلى به صراحة في كلماته السالفة، وهو اتجاه محمود إلى تفضيل التخصص حال صدور القرارات المهمة والذي افتقدته مِصر عقودًا طوالًا لو انتهجته الأنظمة قديمًا لاختلف الحال كثيرًا! ومن ناحية مشورة أصحاب الاختصاص فليس أخص في هذا الشأن تحديدًا غير قضاة مجلس الدولة أنفسهم، وها هم أولو الأمر من قضاته يرشحون دكروري لكونه الأصلح لولاية قضاء مجلس الدولة من وجهة نظرهم، ولا مجال مطلقًا لمجاراة ما يشاع من تحكم أجهزة بعينها في تعيينات رؤساء الجهات والهيئات القضائية، لأن القول بذلك يسلب رئيس الجمهورية من سلطته التقديرية ويجعل صواحب المقامات في هذا الشأن هي بعض الأجهزة الأمنية أو السيادية في الدولة!

وعلى رئيس الجمهورية ممارسة سلطته التقديرية في هذا الشأن في ظل المسئولية التاريخية الملقاة على عاتقه في هذه المرحلة المهمة من حكم مصر، وفي ظل الثوابت القضائية على مدار عشرات السنوات التي لم يخالف في رؤساء الجمهوريات السابقون ترشيحات الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة واختيارات رؤساء مجلس الدولة، حتى في ظل أحلك الظروف التاريخية وأقوى الدكتاتوريات القيادية وأشد الأجهزة السيادية أو الأمنية قمعًا، إذ حرص جميع الرؤساء على عدم المساس بإرادة تلك الجمعية العمومية في اختيارها لقاضي قضاة مجلس الدولة. وفي كل الأحوال فإن هذه السلطة التقديرية لرئيس الجمهورية خاضعة لرقابة القضاء وفقًا للدستور والقانون.
poetgomaa@gmail.com

الجريدة الرسمية