في الذكرى السابعة لرحيله.. «فيتو» في منزل «أسطى الدراما» أسامة أنور عكاشة
سبع سنوات مرت على رحيل «أسطى الدراما التليفزيونية» أسامة أنور عكاشة، رحل السيناريست الكبير وترك فراغًا في ساحة الكتابة لم ينجح أحد في ملئه حتى الآن، أعماله الدرامية ما زالت شاهدة على مراحل مهمة في تاريخ مصر، وعلى التغيرات الرهيبة التي حدثت في تركيبة الحارة المصرية من "ليالي الحلمية" مرورا بـ"زيزينيا" و"أرابيسك" وصولا إلى "ضمير أبلة حكمت" و"امرأة من زمن الحب" وختاما بـ"المصراوية".
"فيتو" ذهبت إلى بيت أسامة أنور عكاشة التي تحل الذكرى السابعة لوفاته هذا العام بالتزامن مع شهر رمضان المبارك، الذي كان أحد نجومه بأعماله لسنوات طويلة، دخلنا المكتب الذي كانت تخرج فيه إبداعاته وتعرفنا عن قرب على طقوسه في عالم الكتابة، وأسرار ارتباطه بالمخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ.
وذكرت نجلته الإذاعية الشابة نسرين عكاشة، بعضا من سيرته ومسيرته في عالم الإبداع، وتحدثت عن طقوسه في شهر رمضان، وموقفه من الأعمال الدرامية التي تذاع رمضان الحالي.. وإلى نص الحوار:
كيف بدأت حكاية أسامة أنور عكاشة مع كتابة السيناريو وما هي طقوسه في الكتابة؟
والدي لم يكن مهتمًا بكتابة السيناريو، ولكن قيل له أنت كاتب مُبدع فلما لا تُجرب كتابة السيناريو، وساعده في بداياته بعض أصدقائه المحيطين به إلى أن أصبح أسامة أنور عكاشة.
أما عن طقوسه في الكتابة، فكان دوما هادئا يستيقظ من النوم ليتحدث إلينا ويستمع إلى أي شيء يُعدل من مزاجه، ثم يذهب مباشرة لمكتبه حيث تبدأ رحلة الإبداع، وكان معروف ضمنيًا أنه ينبغي مقاطعته أو دخول المكتب أثناء وجوده بالمكتب وكتابته لسيناريو ما، ولكن إذا حدث ودخل أحد منا عليه فهو لم يكن ليسمع ما نقول، فاندماجه في الكتابة كان يحجب عنه حتى أصواتنا إن نحن تحدثنا إليه.
ما سر ارتباط إسماعيل عبد الحافظ وأسامة أنور عكاشة في العديد من الأعمال الدرامية؟
"عم إسماعيل" كان صديق الوالد وكان لهما أحلام واحدة ومسيرة مشتركة ليس فقط في الدراما ولكن أيضًا في الحياة الثقافية والفكر، وعندما نجحا سويًا في أعمالهما الأولى استمر النجاح في أعمال أخرى، فقد كان كل منهما يفهم الآخر.
ماذا كانت تمثل الإسكندرية لأسامة أنور عكاشة؟
للإسكندرية مكانة خاصة في قلب الوالد، فقد كان يحب أن يكتشف الأماكن والأزمنة، وكان للإسكندرية حظ كبير في قلبه، فهي بمثابة العشق، وهذا ما جعله يكتب "زيزينيا" فهو كان يتفقد الأماكن ليتعرف عليها، ولهذا معظم أعماله مرتبطة بالأماكن، أيضا هو قارئ جيد، فهو في الأصل مثقف وقارئ جيد ومهتم بالمجال الثقافي ووعي المشاهد عنده كان يُمثل الأولوية.
هل كان أحد يفرض الأفكار على أسامة أنور عكاشة؟ وهل كان يطلب هو أن يُوضع اسمه بشكل معين على المسلسلات؟
في البداية كانت الأفكار تُعرض عليه ثم يُبلورها هو ويكتبها، لكن فيما بعد كانت أفكاره وكتاباته هي من تفرض نفسها.
أما عن وضع اسم أسامة أنور عكاشة على المسلسلات في الصدارة فلم يكن مطلبه هو، بل كانت حيلة إنتاجية لضمان نسبة مشاهدة عالية، فكان يتم التسويق للأعمال الدرامية باسمه، فالمشاهد كان يثق في كتابة والدي ويلتف المشاهدون ليشاهدوا مسلسلات أسامة أنور عكاشة، تحديدًا لأنه احترم عقولهم وتعودوا منه على الأعمال الدرامية المحترمة التي تضيف قيمة وبها قصة وحبكة درامية حقيقية.
كيف كان أسامة أنور عكاشة يتابع أعماله في رمضان وما هي طقوس رمضان في الأسرة؟
رمضان مع أبي كان له طعم آخر، كان المنزل لا يخلو من الوسط الفني والثقافي، الكل يجتمع في مكتب والدي فضلا عن اجتماع الأسرة والأهل والأخوات والأحفاد.
أبي كان يمثل لنا رمضان، كنا إما نتابع أعماله أو نستمع لمناقشة أعماله، أو نلتف جميعنا لنتابع معه المسلسلات الأخرى التي كان يقوم بإعداد قائمة بها ليتابع ويُقيم كل عمل، مضيفًا: "الإخراج هنا كان محتاج يتظبط"، أو مثنيًا على العمل بقوله "الحبكة دي رائعة"، وكل هذه الأجواء افتقدناها بعد رحيله، فأصبح رمضان يمثل لنا الذكرى معه ومع أعماله.
في رأيك ما هو الفرق بين الدراما الحالية ودراما جيل أسامة أنور عكاشة؟
الفرق ليس في الدراما بقدر ما هو في الذوق العام للجمهور، هناك مشكلة حقيقية في الذوق العام، فمثلًا عند تأكيد نصف جمهور مسلسلٍ ما أن المسلسل رائع وعمل يستحق المشاهدة، في حين يؤكد النصف الآخر من الجمهور أنه عمل تافه ولا يرقى لكونه عملًا دراميًا، هنا تكمن المشكلة.
الذوق العام أصبح في حيرة، وذلك يرجع إلى كثرة الأعمال الرديئة التي تعرض الآن، فالدراما الآن لا تُقدم قصة بقدر ما تُقدم "إسكتشات"، وكان والدي يرفض رفضًا تامًا أن يقوم العمل على إسكتش، فلا بد أن يُقدم العمل قيمة مضافة للجمهور، فلا وجه للمقارنة بين ما كان يُقدم قديمًا وما يُقدم الآن بدعوى "السبوبة" فالإعلانات أصبحت متحكما قويا في الأعمال، فالمنتج يُنتج ليبيع لا يُنتج ليُقدم فن أو رسالة.
ما المسلسل الذي كان سيستفز الكاتب أسامة أنور عكاشة لو كان على قيد الحياة؟
والدي كان صعب الاستفزاز، ولم يكن مُنتقدًا بطبعه، فيكفي أن يُضيف بعض اللمسات الضرورية للعمل، مؤكدًا أنه عمل جيد، ولكن في ظل هذا الزخم الحالي لم يكن ليتابع كل هذا الكم من المسلسلات، ولكنه كان يكره الأعمال التي لا تقدم قيمة أو رسالة، مُكتفية بجعل المشاهد يضحك لمجرد الضحك أو لمجرد أن ما قيل هو "نكتة"، ومن الأمثلة إلى كان ينفر منها والدي وبشدة مسلسل مثل "ريح المدام" فهو عمل خالي من الرسالة أو القيمة.
أي من المسلسلات التي تعرض الآن عندما تشاهدينها تقولين أن هذا العمل كان من الممكن أن يكتبه والدي؟
"واحة الغروب" لو كان والدي يكتب روايات لكتب "واحة الغروب" هذا العمل الفني الراقي، وكذلك كنت أرى والدي في مسلسل "ونوس" فهذه الأعمال الفنية الراقية ذات الرسالة أجد فيها رائحة أسامة أنور عكاشة.
هل توجد أعمال لم تكتمل لأسامة أنور عكاشة؟ وما مصيرها؟
"تنابلة السلطان" هو آخر ما خطت يد الكاتب أسامة أنور عكاشة، ولكن القدر لم يمهله ليكمل هذا العمل، والعديد من المخرجين وجهات الإنتاج عرضت على الأسرة أن تأخذ العمل لتكمله وتنشره ، هناك أيضا العديد من الأعمال والأفكار غير المكتملة في مكتبة أسامة أنور عكاشة، ولكن لم يتم حصرها بعد، فمكتبته كما هي منذ أن فارق عالمنا إلى اليوم.
ألم يرث أحد أبناء أسامة أنور عكاشة عنه الكتابة ليكمل هذه الأعمال؟
لم يرث عنه أحد كتابة السيناريو، ولكن أخي "هشام" رحمه الله ورث عنه بعض إبداعاته وكان مخرجًا ودخل معه الوسط الفني، أما أنا فأكتب وأعمل كإعلامية ولكن لم أجرب أن أكتب السيناريو، لذلك أعمال أسامة أنور عكاشة وأفكاره التي لم تُطبق بعد باقية إلى أن تجد من يُقدرها ويستطيع أن يُخرِجها إلى النور.
من يعيش الآن في منزل أسامة أنور عكاشة ؟ وألم تفكر الأسرة أن تقوم بعقد الأمسيات الثقافية في المنزل مثلما كان يحدث من قبل؟
تعيش هنا والدتي وأختي الكبرى، وعُرِض علينا مرارًا أن نشارك في فعاليات باسم الراحل أسامة أنور عكاشة، فهذا المكتب وهذا البيت حفل بالعديد من النقاشات الفنية والأمسيات الثقافية وقت أن كان والدي على قيد الحياة، ولكن يظل المكتب شبه مهجورًا بعد أن وعد العديد ممن كانوا يترددون عليه أن يحيوا فيه أمسيات ثقافية، ولكن لا أحد يفي بالوعد أو يتذكر في ظل ملاهي الحياة المتكررة.
كيف استقبلت الأسرة رمضان وتأتي ذكرى أسامة أنور عكاشة الثامنة في أول أيامه؟
رمضان بدون أبي لا طعم له، وهذا العام تأتي ذكراه في بداية شهر رمضان، فقد كان شيئا مؤلما أن شعرت بالأسى عندما وجدت تجاهل إعلامي لأبي في ذكرى وفاته، لكن الجميل أن الجمهور والناس هم من تذكروه، فهو كان دائمًا يقول: "الناس الغلابة هي اللي هتفضل فكراني".