رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء كمال حجاب عن 10 رمضان: «حائط الصواريخ» ملحمة اختلطت فيها دماء المدنيين والعسكريين

فيتو

  • حاولنا إرسال رسالة من الأردن لمصر بتحرك الطائرات الإسرائيلية في اتجاه لسيناء لكن تم تغيير شفرة الاتصال
  • انتصار إسرائيل في 67 كان وقتيا سرعان ما دمرته مصر
  • الضباط والجنود على الجبهة أقسموا أنهم لن يعودوا إلى ديارهم إلا بعد النصر
  • هناك مجندون ظلوا 6 سنوات ولم ينهوا خدمتهم العسكرية
  • آلاف الشباب الذين لم يستوفوا شروط التجنيد كانوا يتسابقون للتطوع في الجبهة
  • الشعب المصري تحمل الأزمات الاقتصادية الصعبة حتى أخذ بثأره
  • حائط الصواريخ منع الطيران الإسرائيلي من استباحة أراضينا وتدمير قواتنا

ما بين الهزيمة والتحرير 6 سنوات عجاف عاشها المصريون منذ 5 يونيو حتى أكتوبر 73 تجرعوا خلالها مرارة الهزيمة، لكنهم في الوقت ذاته كانوا يسعون لتحقيق النصر، دون النظر إلى التضيحات التي يتطلبها تحقيق الأمر، فالشعب المصري منذ فجر التاريخ تلقى العديد والعديد من الضربات ولكنه لم ينكسر أبدًا وكان يقع وسرعان ما يقوم رافعًا رأسه برايات النصر.

من الأبطال الذين عاصروا 5 حروب اللواء مهندس كمال حجاب، أحد أبطال سلاح المهندسين، الذي بدأ حياته في مقاومة الإنجليز حتى المساهمة في وضع اللمسات النهائية لحرب أكتوبر المجيدة.
خلال حوار "فيتو" معه، روى لنا اللواء "حجاب" كيف عبر الشعب المصري بنفسه من الهزيمة إلى النصر في سنوات معدودة وذلك بمناسبة الذكرى الخمسين على هزيمة 5 يونيو 67، والتي تتزامن هذا العام مع انتصارات العاشر من رمضان.. فإلى نص الحوار:



*كيف تقبلت هزيمة 67 أنت وزملاؤك الأبطال من أبناء الجيش المصري؟
الجيش والشعب المصري لا يقبلون أبدًا بالهزيمة في 5 يونيو 67، ونحن خدعنا وإسرائيل استغلت بعض الثغرات السياسية والمساعدات من الدول الاستعمارية في مباغتة الجيش المصري ووجهت الضربة الأولى التي تمت في هذا اليوم، واستطاعت خلال 6 أيام احتلال سيناء وجبال الجولان السورية والعديد من الأراضي العربية، وهذا الهجوم كان مخططًا له مسبقًا وقاموا باستفزاز الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فأغلق خليج العقبة وطرد القوات لتكون الذريعة الفاصلة التي تعطي الحق لإسرائيل في احتلال سيناء.

*لكن الحرب ربح وخسارة.. وإسرائيل استطاعت توجيه ضربة عسكرية كبيرة بأسلحة متقدمة على مصر وكسبت جولة.. والسؤال هنا.. هل استطاعت القضاء على مصر وجيشها؟
طبعًا لا.. فمصر تتلقى الضربات وهي تقف على أرجلها دائمًا ولا تنحني؛ لأن شعبها أصيل ويعشق تراب الأرض ولا يتخلى عن حبة رمل واحدة من أرضه، مهما كلفه ذلك، والدليل على ذلك صمود الشعب المصري أمام الظروف الاقتصادية الصعبة وقتها والوقوف وراء الجيش حتى أعاد تسليحه وتدريبه للأخذ بالثأر.

أما الضباط والجنود على الجبهة أقسموا أنهم لن يعودوا إلى ديارهم وأبنائهم إلا بعد النصر، والدليل على ذلك أن هناك مجندين ظلوا 6 سنوات ولم ينهوا خدمتهم العسكرية، إضافة إلى قصص لآلاف الشباب الذي تقدم للتطوع في الجيش رغم أنه كان لا يستوفي شروط التجنيد مثل وحيد الأب والأم أو الطلبة الجامعيين أو كبير العائلة والذين كانوا يتسابقون للتطوع والذهاب إلى الجبهة.

*حدثنا عن ذكرياتك أيام النكسة؟
لى ذكريات مريرة يوم توجيه ضربة إسرائيل لمصر في 5 يونيو؛ لأنني كنت في الأردن أعمل مساعدًا للفريق عبد المنعم رياض الذي كان يشغل وقتها قائد القوات العربية المشتركة، وحاولنا إرسال رسالة لمصر بتحرك الطائرات الإسرائيلية في اتجاهها لسيناء من مطار "عجلون"، لكننا اكتشفنا أنه تم تغيير شفرة الاتصال فقام "رياض" بتوجيه قوات الصاعقة المصرية التي كانت تساعد الأردن وقتها لتوجيه ضربات موجعة لإسرائيل، حتى اضطر عدد كبير منهم إلى مغادرة المستوطنات اليهودية، كما أنه أصدر أوامر للمدفعية الأردنية بتوجيه نيرانها نحو إسرائيل وكبدتهم خسائر كثيرة مادية ومعنوية.

ومن المواقف التي لا أستطيع نسيانها أبدا بكاء الفريق عبد المنعم رياض يوم 8 يونيو 67 عندما سقطت القدس في يد القوات الإسرائيلية وقال يومها "سقطت القدس بعد قتال عنيف ولن تعود قريبا وسيذكر التاريخ المعارك التي خضناها من أجل الحفاظ عليها والتي فاقت كل طاقات الدول العربية".
وبعدها صدر قرار جمهوري بترقية الفريق عبد المنعم رياض رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة وعدنا إلى مصر ليبدأ في وضع خطط حرب الاستنزاف النواة الأولى لاستمرار القتال مع العدو الإسرائيلي واستنزافه ماديا ومعنويا حتى لا يهنأ بنصره المزيف وحتى الاستعداد لعبور القناة.

*وكيف استعاد الجيش المصري عافيته خلال سنوات معدودة؟
بعد الهزيمة مباشرة قام الرئيس عبد الناصر بإحداث تغيير جذري في اختيار القادة المؤهلين من ذوي الخبرة، وتمت دراسة أسباب الهزيمة ومناطق القوة والضعف لدينا ووضع الخطط والتدريبات والحصول على السلاح المناسب لإدارة الصراع واسترداد الأرض والكرامة المهدورة، وبدأنا رحلة الاستعداد للمعركة المنتظرة، وكان لا يوجد مجال حتى واحد في المليون لخسارتها وإلا قضي على المصريين بالكامل وليس الجيش فقط.

*هناك حرب طاحنة كانت تدور رحاها خلال فترة الاستنزاف وأسهمت في تحقيق النصر.. حدثنا عنها؟
الجيش المصري خاض حرب الاستنزاف ضد العدو الإسرائيلي بعد أيام قليلة من 5 يونيو، وحقق العديد من الانتصارات التي أثرت في قوات العدو معنويا وماديا، فهناك معارك "الجزيرة الخضراء ولسان التمساح وتدمير المدمرة إيلات ثم الرصيف الحربي إيلات وسفينتي الإنزال بات يم-وبيت شيفع، ومعركة رأس العش"، كما استطاعت قوات الصاعقة القيام بعمليات موجعة في سيناء وداخل الأراضي الإسرائيلية ووصلت إلى عقر ديارهم، وهذه العمليات رفعت الروح المعنوية لجنود وضباط الجيش الذين واصلوا الليل بالنهار للوصول بأعلى معدلات التدريب والكفاءة استعدادا للنصر في حرب أكتوبر.

*كيف تم بناء "حائط الصواريخ" ودوره في حرب أكتوبر؟
بعد احتلال إسرائيل للضفة الشرقية وضربها للمطارات والطائرات على الأرض كانت تقوم من وقت لآخر باستعراض سلاحها الجوي واستباحة الأراضي المصرية، ووجهت عددا من الضربات في العمق الإستراتيجي المصري، فضربت مصانع أبو زعبل ومذبحة مدرسة بحر البقر، وكان لا بد من إيقاف هذا الصلف الإسرائيلي بحل يحمي سماء مصر من طيران العدو وتم تكليفي وزملائي ببناء حائط الصواريخ لحرمان العدو من التفوق الجوي والسماء المفتوحة، وكان أعظم شيء في هذه المهمة هو التلاحم بين القطاعين المدني والعسكري؛ لأن حائط الصواريخ أنشئ في ٤٠ يومًا بوحدات المهندسين العسكريين والشركات المدنية، وكان ما يتم إنشاؤه من مواقع أثناء الليل تدمره طائرات العدو ليلا، وراح ضحية هذا القصف العديد من الشهداء من الطرفين العسكري والمدني، ورأيت بعيني كيف ارتوت خرسانة الحائط بدماء الشهداء ولم يتوقف العمل ليل نهار؛ حتى انتهينا من بنائه في ٤٠ يومًا، وحائط الصواريخ استطاع شل يد العدو الطولي وتحييد قواته الجوية من الاقتراب للقناة بمسافة ١٥ كم، ولولا حائط الصواريخ كان الطيران الإسرائيلي استباح أراضينا ودمر قواتنا التي تتدرب استعدادا للعبور غرب القناة أو أثناء العبور في ساعة الصفر، ولكن تم العبور تحت حماية عناصر قوات الدفاع الجوي والقوات الجوية.

*كيف ساعد حائط الصواريخ وقوات الدفاع الجوي في صد الهجمات الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر؟
القوات المسلحة بعد اتفاقية "روجرز" قامت بعمل خارق وإسرائيل في غفلة من أمرها عندما طلبت من مجلس الأمن عمل هدنة معنا لوقف إطلاق النار بعد الضربات الموجعة التي تلقتها من قوات الصاعقة والخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدتها، وقتها ووافق عبد الناصر بذكاء على الهدنة لترتيب أوراقه والاستفادة منها في تقدم قوات الدفاع الجوي في الصفوف الأولى على ضفة القناة، وبالفعل تم نقل بطاريات الصواريخ والرادارات في غفلة من العدو الإسرائيلي على الخطوط الأمامية للجبهة، وهو ما أسهم بشكل كبير في قطع اليد الطولى لإسرائيل وهو سلاحها الجوي الذي احترقت طائراته "الفانتوم" أمام حائط الصواريخ المصري، وأسهم حائط الصواريخ أيضًا في عدم استهداف قوات النسق الأول والأنساق الباقية لعبور المانع المائي وتحطيم خط بارليف المنيع.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية