سفيرة لاتفيا نموذجا!!
دور وزارة الخارجية تغير في كل دول العالم، وأصبحت مهمتها حاليا اقتصادية أكثر منها سياسية، وهناك دول غيرت حتى المسمى الوظيفي للوزارة، فمثلا في دولة المجر اسمها وزارة الخارجية والتجارة ومهمة الوزير هناك الترويج لمنتجات بلاده وعقد صفقات تجارية، وحينما يزور مصر تكون لقاءاته مع وزراء التجارة والاستثمار والنقل والصناعة ويصطحب معه أصحاب الشركات ورجال الأعمال وغالبا لا يلتقي مع وزير الخارجية المصري، وهكذا يفعل السفراء الأجانب في مصر حيث يعتبرون أنفسهم مندوبين عن الشركات والمصانع والبنوك في بلادهم، وخلال 6 أشهر قضيتها مستشارا لوزير النقل الأسبق شاهدت وحضرت لقاءات لأكثر من 60 سفيرا أجنبيا بالقاهرة يعرضون علينا منتجاتهم وبإصرار شديد يجعلك تشعر أن السفير صاحب الشركة أو مساهم فيها أو وكيل عنها أو سمسار لها..
وكنت أستغرب من ذلك ما أعلمه أن السفير مهمته دبلوماسية فقط، ورعاية مصالح مواطنيه، ولكن زال استغرابي حينما قال لي أحد رجال الأعمال المصريين إنه فوجئ بسفيرة إحدى الدول الأوروبية تعرض عليه الاستثمار في الموانئ لديهم، وحينما سألها عن علاقتها بذلك قالت أقسمت على الترويج للفرص الاستثمارية لبلدي، وتلك مهمتي الأساسية ومعيار تقييمي الوظيفي..
وزير الخارجية والتجارة في المجر زيارته لا تنقطع للقاهرة من أجل تمرير صفقة قطارات لا تحتاجها مصر، وقد تدمر الصناعة التي نطمع في ولادتها المتعثرة، الوزير المجري يعرض علينا شراء 700 عربة سكة حديد بقرض مليار دولار بفوائده يتجاوز 25 مليار جنيه مصري هذه الصفقة المجرية سوف تنعش اقتصادهم، رغم أن مصانعهم لن تستطيع الوفاء بها، وسوف يلجئون إلى روسيا لمساعدتهم في تصنيعها، باختصار مصر لا تمتلك الأموال والمجر لا تمتلك القطارات والسكة الحديد لا تحتاجها فأزمتها الحقيقية ليست في القطارات بل في الإدارة..
أما النموذج المبهر للدبلوماسي وجدته في سفيرة لاتفيا في القاهرة (ايفت شولتا) فهي الشخصية النموذجية التي أتمناها لسفرائنا في الخارج، هي سفيرة فوق العادة، ومن مكتبها الكائن في شقة صغيرة بمنطقة الزمالك (مشتركة مع سفارة استونيا) تخدم بلدها في مصر وأفريقيا والشرق الأوسط، وخلال فترة عملها القصيرة في القاهرة استطاعت أن ترفع حجم التبادل التجاري بين مصر ولاتفيا ثلاثة أضعاف، طبعا لصالح بلدها الصغير جدا 2 مليون نسمة 2% من عدد سكانا، ولكن ناتجهم القومي ثلاثة أضعاف 100 مليون مصري..
سفيرة لاتفيا في القاهرة لديها حرص شديد على التواصل مع أجهزة الدولة، وتلهث وراء كل مؤسساتها، ومجتمع الأعمال للترويج لبضاعة بلدها وهي صاحبة المبادرات، ولديها تصميم عجيب واستماتة غربية ولا تيأس من عدم استجابة المسئولين المصريين لها وغلق الأبواب في وجهها أحيانا!!
وهي حاليا تسعى لإنشاء مصنع لإنتاج قطارات السكة الحديد في مصر، ورغم أن العرض مغر، حيث يتضمن نقل مصانعهم عندنا ويصبح لدينا قطار لأول مرة في تاريخنا مكتوب عليه "صنع في مصر"، ومع ذلك الدولة ترفضه من أجل صفقة القطارات المجرية أقل وصف لها أنها صفقة مشبوهة، ولكن لدى إيمان كبير أن الرئيس السيسي لن يسمح بتمريرها.. خاصة في ظل وجود عروض محترمة لصناعة القطارات في مصانعنا الحربية سواء العرض اللاتفي أو غيره.
حينما سألت سفيرة لاتفيا في القاهرة عن مدى استفادتهم من نقل مصانعهم عندنا وإعطائنا التكنولوجيا أو سر الصنعة كما يقولون ( know -how ) قالت وبمنتهى الصراحة إننا سنستفيد مثلكم في ترويج بضاعتنا وفتح أسواق في المنطقة انطلاقا من مصر، فالاستفادة للطرفين (win-win ) لكم التصنيع والخبرة ولنا الترويج والاستثمار، وسوف أعمل جاهدة على رفع علم بلدي فوق مصنع سكة حديد في مصر.
هذه هي سفيرة لاتفيا في القاهرة النموذج المثالي للشخصية الدبلوماسية، والتي شاركت في إنقاذ بلدها من أزمة اقتصادية طاحنة كيف ومتى؟ الإجابة في المقال القادم إن شاء الله.
egypt1967@yahoo.com