رئيس التحرير
عصام كامل

«النكسة».. لماذا رفض هيكل أن يكتب كلمة هزيمة في خطاب التنحي؟.. «تقرير»

الكاتب الراحل محمد
الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل

لم يكن ثراء اللغة العربية فراغًا، ولم يكن تنوعها إلا كفستان تحتاج إلى بستاني ماهر يقطف منها ما يلائم الحدث، وكان الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل بستاني الكلمات، يعرف قدر الحروف، ويقدر حجم الظروف التي ستقال فيها.


تلك القاعدة هي من جعلت الأستاذ حاضرًا في كل وقت، قيمته فرضت نفسها في خطابات غيرت مسارات الأمة سواء مع جمال عبد الناصر أو حتى مع السادات الذي لجأ له لكتابة توجيه حرب أكتوبر.

لم يكن أحد يعرف ما يدور في الخامس من يونيو 1967 سوى إنها كارثة، لم تستعد كتب التاريخ لتوصيفها بعد، اللقب الأقرب لأصحاب الرؤى المحدودة هي «الهزيمة»، لم يكن أحد يدور في خلده كلمة «نكسة»، الكلمة جديدة على القاموس المصري، لكنها اختيار «هيكل» في خطاب تنحي جمال عبد الناصر.

في كتاب كلام في السياسة «الجزء الثاني»، يسرد الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل حوار دار بينه وبين جمال عبد الناصر حول اختيار تلك الكلمة التي أصبحت «اختراع» تم تسجيله باسم «هيكل» وأصبحت الكلمة التي لا تعني شيئًا سوى هزيمة يونيو.

وفي البداية يقول «هيكل»: «سألني جمال لماذا اخترت تعبير النكسة، مضيفًا إنه مستريح للكلمة لكنه يريد أن يكون واثقًا من سلامة اختيارها، فقلت إنني توقفت كثيرًا قبل أن أستقر عليها وكان أمامي ثلاث أوصاف، إما الصدمة وقد وجدتها أقل من اللازم وكلمة هزيمة وقد وجدتها أسوأ من اللازم ثم كلمة نكسة وقد أحسست مثلك أنني مستريح معها».

ويضيف هيكل: « ثم قلت لو اخترنا كلمة هزيمة فذلك سوف يكون خطرا لعدة أسباب، أولها أن من يجيء بعدك قد قرر الاستسلام كما فعلت ألمانيا وإيطاليا في الحرب العالمية الثانية، كما أن كلمة هزيمة تؤثر على معنويات قوات ماتزال تشكيلاتها أو بعض تشكيلاتها تقاتل في سيناء وعلى ضفتي قناة السويس ولا أعرف كيف يتأتى أن نقول لهم إنها الهزيمة ثم نطلب منهم أن يقفوا ويعطوا أرواحهم فداء وهم يعلمون أنه الوقت الضائع؟!».

وتابع: «إذا كنا لا نريد الاستسلام فقد ترى أن تترك تقدير الموقف للرجل الذي سوف يأتي بعدك لا بد أن تعطيه مجال يتحرك فيه، ولو استخدمنا كلمة هزيمة فستكون صدمة في غير محلها للأمة ومصادرة على مستقبلها، الأمة يمكن أن تقاوم، ربما تنتبه سوريا والعراق».
الجريدة الرسمية