أخيرا.. إهدار دم قطر
متى يُهدر دم إنسان؟! الفتاوى كثيرة ومتداخلة ومتناقضة، وليس هنا المقام الذي أنتوي فيه أن أتقمص دور المفتى، ولا أجرؤ، لكن ثوابت الوقائع كشفت أنه إذا خرج نظام حكم عن الملة السياسية الأمريكية، أو الداعشية، وجب إهدار دمه، ودم دولته.
ومن الواضح أن مصر كانت مرشحة لإهدار دمها بقوة، وبذكاء، وبتخطيط، بدأ قبل حريق الفوضى العاتية المسماة بـ٢٥ يناير، لكن وعي الشعب أسقط المؤامرة، خصوصا وأن السوابق حولنا حريق مستعر، وخراب منتشر. واليوم، فإن الدائرة تدور، على من خطط ومن تآمر ومن مول، ومن درب، ومن تعملق وهو قزم، يظن أن ماله يرفعه قامة وقيمة، فلقد انقلب الأمريكيون على العميل الغر الصغير الذي تلقى محاضرات تأديب وتهذيب وإصلاح، في كواليس قمم الرياض.
ويمكن القول باطمئنان إنه تم بالفعل إهدار دم النظام القطري بين الأمم، فهو نظام منفصم الشخصية، متآمر على أمته. والتقرير الصدمة الذي نشرته صحيفة نيويورك بوست أول أمس، أزاح النقاب عن صبر ممل مارسته الإدارة الأمريكية في عهد الإخوانجي بركة حسين أوباما الشهير بباراك أوباما. وزير الدفاع الأمريكي السابق بانيتا قال إن قطر لا تزال تمول إرهابيين مدرجين على قوائم وزارة الخزانة الأمريكية، رغم تحذيرات ومناشدات الإدارات الأمريكية، ولا يزال يعيش ويعمل على أراضيها علنا متطرفون يحرضون على العنف.
ولقد تزامن هذا الضيق الأمريكي ببيان من البيت الأبيض يقول إن على قطر أن تلتزم بتعهداتها التي وقعت عليها في مذكرة قمم الرياض بحضور دونالد ترامب!
هذا هو الجانب الخفي الذي لم يكشف عنه شيء بعد القمة الأمريكية العربية الإسلامية. فما هي التعهدات التي طلبها الجانب العربي الخليجي والمصري والأمريكي؟
طلبوا منها التعهد بعدم التحريض ضد دول مجلس التعاون الخليجي سياسيا وإعلاميا، وطالبوها بعدم التحريض على مصر سياسيا وإعلاميا، وطالبوها بوقف دعم جماعة الإخوان المسلمين، وطالبوها بعدم منح الجنسية القطرية لأي مواطن من مواطني مجلس التعاون الخليجي، وطالبوها بوقف استخدام المنابر الدينية والإعلامية ضد دول المنطقة. ووافقت قطر ووقعت، والله أعلم إن كانت الموافقة والتوقيع بالرضا أم بالقهر، لكن الغل الذي تجسد في الأيام التالية للقمة، في حزمة تصريحات كاشفة عن خبيئة النفس الحاكمة في قطر، قطع بأن تميم بن حمد وقع على التعهد قسرا وضغطا وصفعا!
واليوم حين تخرج نائبة مستشار الأمن القومي الأمريكي لتعلن أن على قطر الالتزام بما تعهدت به في المذكرة أمام ممثلي خمس وخمسين دولة عربية وإسلامية فضلا عن دولة عظمى هي أمريكا، فإن المعنى الوحيد لذلك هو أن قطر مارقة، وأنها تفعل الآن كل ما حذروها من إتيانه من الموبقات السياسية والعسكرية والإعلامية في المنطقة، فهي لا تزال تأوي الإرهاب وممثليه، ولجماعة طالبان مكاتب تمثيل في الدوحة، ولحماس مكاتب تمثيل، ولحزب الله مكاتب تمثيل وللإخوان محطات ومكاتب وتمويل، وإقامات، وهي تمول داعش والنصرة، وجماعات متفرعة منهما في ليبيا، أظهرت تحقيقات شرطة مانشستر أن الشاب الذي فجر نفسه في الحفل الغنائي الحاشد للمغنية أدريانا جراندي، تلقى تمويلا من جماعة إرهابية في ليبيا، تتلقى بدورها تمويلا من قطر.
الحلقات تطبق على عنق نظام ضاق به أقرباؤه وأصدقاؤه وخلفاؤه، بل ضاقت به القوة العسكرية التي اعتبرها ترخيصا بممارسة البلطجة على أشقائه في الخليج، وهو ما انتبه له الأمريكيون وتساءلوا عن جدوى الإبقاء على قاعدة العيديد في قطر، أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العالم، بعد أن صارت بعبع السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، كما وضح من تصريحات تميم التي نفاها سدى!
لقد سقطت قطر سقطتها الأبدية، ولن يقيلها من عثرتها إلا إسقاط نظام يحب إسرائيل ويحب حماس، وكلاهما عدو لبعضهما البعض، ويحب إيران، ويحب أشقاءه في التعاون الخليجي، وهي عدوة لهم ومغتصبة جزر الإمارات الثلاث، لعقود، وتهدد البحرين وشرقي السعودية، وهي تأوي الإخوان الذين يهددون الإمارات ومصر، هي تعلن حبها للإمارات، وتعزي المصريين في مذبحة شهداء المنيا!
نظن أن البيت القطري سوف تعاد هيكلته على نحو ينقي نظام الحكم من جاسوس على أمته، يتلاعب بأموال شعبه بلا حساب ليرضي نزعات شيطانية تتملكه أبا عن جد!
حكم تميم يترنح.
