رئيس التحرير
عصام كامل

عُميان.. قهروا الظلام


أن يُفجع المرء بناظريه فيرتد ضريرا.. بعد أن كان بصيرا، وأن يغلق عليه "العمى" سراديبه الموحشة.. فهذا ابتلاء ينوء بفظاعته صناديد الرجال.

وإن كان هناك من يستشعر فى نفسه براكين الغضب، ويشعر أن حياته صارت مؤجلة أو بلا قيمة.. فهناك أيضا من لا يرفع الراية البيضاء، أو يعلن الاستسلام أو يخشى المواجهة، بل يرى أنه فى حرب ضروس يجب أن يحسمها لنفسه فى النهاية، حتى يخرج منها مظفرا منتصرا.

لكن أين لمثل هذا الإنسان،الذى سُلب بصره، فلم يعد يرى إلا ظلاما، تلك القوة التى تصدُّ عنه رياح اليأس الهوجاء التى تعوى وتدوى وتصفّر، وتشن هجماتها الشرسة عليه، محاولة دك معاقل توازنه، وإلقاءه فى الهوة السحيقة، هوة الضياع والقنوط وعدم الرضا عما كتبته له الأقدار؟

تلك القوة، يتمتع بها أشخاص ابتلاهم الله بالعمى، ولكنهم تغلبوا على محنتهم، وقهروها، وتألقوا وأبدعوا فى مجالات مختلفة، وحققوا شهرة طاغية، أبقتهم فى ذاكرة التاريخ، وستبقيهم عقودا وقرونا مُثلا عُليا فى الإرادة والصمود والصبر وتجاوز أقصى العقبات وأعنفها.

 هم أبطال حقيقيون.. جديرون بالخلود والتقدير والثناء المستمر، لأنهم صنعوا ما يراه المبصرون إعجازا ومستحيلا.

فمن يتخيل أن يصير الكفيف مصورا بارعا، يقيم المعارض، ويحصد الجوائز، ويحاضر فى كبريات الجامعات؟

وكيف للعقل أن يقتنع بأن كفيفا يغدو رساما مشهورا، تتفوق أعماله على أقرانه ممن لم يحرموا نعمة البصر؟

ولكن هناك بالفعل من فعلوا ذلك وأكثر.. فحين يعزف المأسور حبيس الإعاقة على أوتار الروح الوثابة العصيّة على الاندحار تنسال ألحانه دررا من سحر الإيقاع، تنتشى لها النفوس الظمأى.

ومن لوعة الحرمان وتباريح العاهة.. ينبجس التصميم على المواجهة ومن حلكة الظلمات.. يُشرق مهرجان الإبداع والتألق والتوهج.

هكذا فعل أبوالعلاء المعرى وهيلين كيلر ونزيه رزق وإسماعيل المسعودى والشيخ محمد رفعت وطه حسين وبرايل وبشار بن برد وبورخيس والبردونى وعمار الشريعى.. وغيرهم.

ولكن المحزن حقا.. أن أعداد العميان على مستوى العالم فى اطراد.. ولم يتوصل العلم الحديث - حتى الآن - إلى الوسائل التى تمكنه من مواجهة العمى.. حيث يعانى 37 مليون شخص من العمى و12 مليونا من ضعف البصر، وسوف يصبح عدد العميان فى العالم بعد 12 عاما إلى 75مليونا.. وهو ما يتطلب تضافر جميع الجهات المعنية، ومنها - منظمة الصحة العالمية - من أجل حشد المزيد من الجهود فى سبيل الوقاية من العمى.


 

الجريدة الرسمية