ننشر حيثيات الإدارية العليا بعدم قبول دعوى حل الأحزاب الدينية
أودعت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الحميد مسعود رئيس مجلس الدولة حيثيات حكمها بعدم قبول دعوى حل أحزاب، الفضيلة، والأصالة، والبناء والتنمية، والنور، وتصفية أموالها، وتحديد الجهة التي تؤول إليها.
وقالت المحكمة في أسباب حكمها إنه لا محل لقول إن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا التي عقد لها المشرع الاختصاص بالفصل في طلب حل الأحزاب السياسية ستتولى بنفسها التحقيق فيما نسب إلى الحزب إذا لجأ إليها أحد المواطنين أو جهة غير التي حددها المشرع بطلب حل الحزب، لأن ذلك سيؤدي إلى مخالفة نص المادة (17) من قانون نظام الأحزاب السياسية المشار إليها، والذي أسند إلى النائب العام الاختصاص وحده دون غيره التحقيق فيما نسب إلى الحزب من مخالفات قبل طلب حله، ويخل بحق الحزب في أن تُعرض نتيجة التحقيق على لجنة الأحزاب السياسية لتُعمل سلطتها في تقدير مدى توافر شروط الحل من عدمه، كما أن تقديم طلب الحل إلى المحكمة المختصة من غير رئيس لجنة الأحزاب السياسية يشكل عدوانا على اختصاص تلك اللجنة، فإذا تولت المحكمة التحقيق في طلب الحل الذي يُقدم إليها من غير رئيس لجنة الأحزاب السياسية– وهو ما لا يجوز ولا يمكن التسليم به – من دون إجراء النائب العام للتحقيق، فإن هذا الأمر يجعل من المحكمة جهة تحقيق واتهام وسلطة حكم وقضاء في آن واحد، وهو أمر غير جائز قانونا، لإخلاله بمبدأ الفصل بين سلطة التحقيق والاتهام، وبين سلطة الحكم والقضاء، وهو ما يجرد المحكمة من صلاحية الفصل في طلب حل الحزب السياسي.
وأضافت المحكمة أن نص المادة (17) من القانون المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون المشار إليه - على أنه "يجوز لرئيس لجنة الأحزاب السياسية - بعد موافقتها - أن يطلب من الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا الحكم بحل الحزب وتصفية أمواله، وتحديد الجهة التي تؤول إليها، وذلك إذا ثبت من تقرير النائب العام، بعد تحقيق يجريه، تخلف أو زوال أي شرط من الشروط المنصوص عليها في المادة (4) من هذا القانون، وعلى المحكمة تحديد جلسة لنظر هذا الطلب خلال الثمانية أيام التالية لإعلانه إلى رئيس الحزب بمقره الرئيسي، وتفصل المحكمة في الطلب خلال ثلاثين يومًا على الأكثر من تاريخ الجلسة المذكورة".
وإن النظام الديمقراطى الذي أقام عليه الدستور الحالي البنيان السياسي للدولة، يقوم على أسس التعددية السياسية، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، والتداول السلمى للسلطة، وتلازم السلطة مع المسئولية، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، لتلك الأسس يتحدد مفهوم الديمقراطية التي أرساها، وتتشكل معالم المجتمع الذي ينشده، سواء مااتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية – وهى جوهر الديمقراطية – أو بكفالة الحقوق والحريات العامة – وهي هدفها – أو بالاشتراك في ممارسة السلطة – وهى وسيلتها -، وأن الديمقراطية الحقيقية تقوم أصلًاً على الحرية، وتتطلب لضمان إنفاذ محتواها تعددًا حزبيًا، بل هي تحتم هذا التعدد كضرورة لأزمة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة القومية تحديدًا حرًا واعيًا، وأن هذا التعدد غير مقيد إلا بالتزام الأحزاب السياسية جميعها – سواء عند تكوينها أو في مجال ممارستها لعملها – كتنظيمات سياسية تعمل في ظل الدستور – المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري وبمراعاة الأحكام المنصوص عليها في الدستور.
وتابعت المحكمة أن من بين تلك الأحكام حظر تأسيس الأحزاب السياسية على أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى أو ممارسة نشاط معاد للمبادئ الديمقراطية، أو سرى، أو ذى طابع عسكري أو شبه عسكري، ولما كانت الأحزاب السياسية في النظم الديمقراطية شريك أساسى في مسئوليات الحكم وأداة رئيسية للمساهمة في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن، فإن المشرع حرص على حماية الحق في تأسيسها والانتماء لها وتشجيعها وتيسير ممارستها للحياة الحزبية في أجواء تسيطر عليها المساواة والحرية، بما يحقق لها توسعة قواعدها الشعبية بغية وصولها للحكم أو مشاركتها فيه، بوضع برامجها المتنوعة موضع التنفيذ لخدمة الوطن والمواطن، ومن أدوات هذا التيسير أن جعل إنشاء الأحزاب السياسية بمقتضى إخطار يقدم إلى لجنة مختصة بهذا الشأن، وذلك وفقًا للشروط والإجراءات التي نص عليها قانون نظام الأحزاب السياسية، وقد بين القانون سالف الذكر كيفية تقديم الإخطار بتأسيس الحزب وما يستلزمه هذا التأسيس من إجراءات، وبالتالى لا يجوز للسلطة التشريعية أن تشترط لتأسيس الأحزاب الحصول على إذن أو ترخيص، وإنما يقتصر دورها في هذا الشأن على تنظيم الإخطار، وحماية الدستور للأحزاب ليست حماية ميلاد وتأسيس فقط، وإنما هي حماية حياة ووجود أيضًا، فقد حظر الدستور حل الأحزاب السياسية إلا بحكم قضائى، وحل الحزب يقصد به إنهاء شخصيته القانونية ووجوده القانونى، وبالتالى فإن حل الحزب إفناء لذاتيته يقتلعه من منابته، ويجتثه من جذوره، ويترتب على ذلك عدم جواز ممارسته لأى نشاط سياسي، كما إنه يستتبع حل الحزب تصفية أمواله وتحديد الجهة التي تؤول إليها، ولأهمية الأحزاب السياسية في الحياة السياسية والنظم الديمقراطية السليمة، فقد نظم المشرع حلها عن طريق القضاء تنظيمًا إجرائيًا وموضوعيًا على وجه يحقق للأحزاب السياسية الضمانات الكافية لها، حيث لم يجعل للجهة الإدارية على الأحزاب السياسية سبيلًا أو سلطانًا في حلها، وإنما ناط برئيس لجنة الأحزاب السياسية – النائب الأول لرئيس محكمة النقض – أن يطلب من الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا – وهى التي تستوى على القمة من محاكم مجلس الدولة – الحكم بحل الحزب، وتصفية أمواله، وتحديد الجهة التي تؤول إليها، واشترط المشرع شروطًا إجرائية سابقة على تقديم طلب الحل المشار إليه وهى: أولًا: أن يجرى النائب العام تحقيقًا حول ما نسب إلى الحزب المطلوب حله، والتحقيق بصفة عامة يعنى الفحص والبحث والتقصى الموضوعى المحايد والنزيه لاستجلاء الحقيقة فيما يتعلق بصحة وقائع محددة ونسبتها إلى الحزب، وذلك لتبيان وجه الحق والصدق والعدالة، والتحقيق بمفهومه القانونى يعنى تناول الواقعة محل الاتهام ويحدد عناصرها من حيث الأفعال والزمان والمكان والأشخاص وأدلة الثبوت، ومواجهة صاحب الشأن بما نسب للحزب من مخالفات وإحاطته بحقيقة المخالفة وبالأدلة التي يقوم عليها الاتهام، وتمكينه من إبداء دفاعه كاملًا غير منقوص وحق الدفاع من الحقوق الدستورية واجبة الاحترام، فلا يجوز إهدار هذا الحق قبل طلب حل الحزب، وإسناد التحقيق المشار إليه إلى النائب العام لا يعنى أن التحقيق الذي يُجرى قبل طلب حل الحزب يقتصر على الحالات التي ينسب فيها إلى أعضاء الحزب بصفتهم الحزبية ارتكاب جرائم جنائية.
وإنما التحقيق يُجرى بشأن تخلف أو زوال أي شرط من الشروط اللازمة لتكوينه، سواء انطوت هذه المخالفات على جرائم جنائية أو لم تشكل جرائم جنائية. ثانيًا: أن يقدم النائب العام تقريرًا بنتيجة التحقيق الذي أجراه في شأن المخالفات المنسوبة إلى الحزب يتضمن رأيه القانوني الذي يُعرض على لجنة الأحزاب السياسية. ثالثًا: أن توافق لجنة الأحزاب السياسية – بعد استعراض تقرير النائب العام والتحقيق الذي أجراه – على التقدم بطلب إلى المحكمة المختصة لحل الحزب. واشترط المشرع شرطًا موضوعيًا للتقدم بطلب لحل الحزب وهو أن يثبت من التحقيق أن الحزب قد تخلف في شأنه أو زال أي شرط من الشروط الواردة بالمادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية والمستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2011، باعتبارها من شروط وجود الحزب واستمراره في الحياة السياسية، فإذا توافرت الشروط المشار إليها فإن لرئيس لجنة الأحزاب السياسية – وحده دون غيره – أن يتقدم بطلب إلى الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا يطلب منها الحكم بحل الحزب، وتصفية أمواله، وتحديد الجهة التي تؤول إليها. ولا يجوز لأى جهة إدارية أو لجنة الأحزاب السياسية أن تقرر حل الحزب السياسي، كما لايجوز لغير رئيس لجنة الأحزاب السياسية – بعد استيفاء الإجراءات المشار إليها سلفًا - أن يطلب من المحكمة المختصة الحكم بحل الحزب السياسي، فلا يقبل طلب حل الحزب السياسي إذا قُدم من جهة إدارة أخرى، ولا من رئيس حزب من الأحزاب السياسية ولا من آحاد المواطنين، ولا يعد ذلك إنتقاصًا من حق المواطنين في اللجوء إلى القضاء.
وأشارت المحكمة أن حل الحزب جزاء على سلوك وممارسة الحزب في الحياة السياسية، يتضمن عقوبة. وتحديد الجهة المنوط بها رفع الدعوى إلى القضاء لتوقيع العقاب بنص الدستور أو القانون هو أمر اقتضته – والحال كذلك – ضرورة دستورية لضمان حق الدفاع عن الحزب عن طريق إجراء تحقيق سابق على اللجوء إلى القضاء، كما هو الحال في إسناد الاختصاص إلى النيابة العامة برفع الدعوى الجنائية، وإلى النيابة الإدارية برفع الدعوى التأديبية، وهو ما سار عليه المشرع في إسناد طلب حل الحزب السياسي إلى رئيس لجنة الأحزاب السياسية لاعتبارات موضوعية، وحتى لا يتخذ طلب حل الحزب وسيلة للكيد والانتقام.
ولا محل للقول أن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا التي عقد لها المشرع الاختصاص بالفصل في طلب حل الأحزاب السياسية ستتولى بنفسها التحقيق فيما نسب إلى الحزب إذا لجأ إليها أحد المواطنين أو جهة غير التي حددها المشرع بطلب حل الحزب، لأن ذلك سيؤدى إلى مخالفة نص المادة (17) من قانون نظام الأحزاب السياسية المشار إليها، والذي أسند إلى النائب العام الاختصاص وحده دون غيره التحقيق فيما نسب إلى الحزب من مخالفات قبل طلب حله، ويخل بحق الحزب في أن تُعرض نتيجة التحقيق على لجنة الأحزاب السياسية لتُعمل سلطتها في تقدير مدى توافر شروط الحل من عدمه، كما أن تقديم طلب الحل إلى المحكمة المختصة من غير رئيس لجنة الأحزاب السياسية يشكل عدوانًا على اختصاص تلك اللجنة، فإذا تولت المحكمة التحقيق في طلب الحل الذي يُقدم إليها من غير رئيس لجنة الأحزاب السياسية– وهو ما لا يجوز ولا يمكن التسليم به – من دون إجراء النائب العام للتحقيق، فإن هذا الأمر يجعل من المحكمة جهة تحقيق واتهام وسلطة حكم وقضاء في آن واحد، وهو أمر غير جائز قانونًا، لإخلاله بمبدأ الفصل بين سلطة التحقيق والاتهام، وبين سلطة الحكم والقضاء، وهو ما يجرد المحكمة من صلاحية الفصل في طلب حل الحزب السياسي.
وإعمالًا لما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق، أن طلب حل أحزاب؛ الحرية والعدالة، والفضيلة، والأصالة، والبناء والتنمية، والنور، وتصفية أموالها، وتحديد الجهة التي تؤول إليها، قُدم من الطاعن ولم يُقدم إلى المحكمة من رئيس لجنة الأحزاب السياسية، بعد اتباع الإجراءات المشار إليها في المادة (17) من القانون رقم 40 لسنة 1977 في شأن نظام الأحزاب السياسية، ومن ثم فإن الطلب يضحى مقدمًا من غير ذي صفة، ويتعين – والحال كذلك - الحكم بعدم قبول الطعن لرفعه من غير ذي صفة