«برقبتي ياريس».. حكاية جملة تسببت في نكسة 1967.. تقرير
إن كان هناك درس وعاه جيل أكتوبر، وهو يحقق ملحمة العبور، فهو أن الحروب لا تقام على كلمات ولا تُبنى على تعهدات قادة، مهما بلغت درجة الثقة فيهم، لذلك كان قادة جيل أكتوبر يؤمنون بالتدريب، وبخطة خداع العدو، وبالرؤية السياسية والاستعداد المجتمعي لمعركة التحرير، بهذا تحقق النصر.
تدور الأسئلة حول ما حدث قبل نكسة يونيو 1967 والتي يمر الآن على ذكراها 50 عامًا، هل كان يعرف «عبدالناصر» حقيقة وضع قواته المسلحة، أم أن الثقة في عبد الحكيم عامر صديقه قبل أن يكون قائد جيشه كانت هي الضمان لدى الزعيم، الأخيرة تبدوا الإجابة الصحيحة الذي اعترف بها جمال عبد الناصر في بيان التنحي، الذي شدد فيه أن ما حدث «مسئوليته بشكل كامل».
«برقبتي ياريس» هي الجملة التي بنى عليها «الزعيم» كافة تحركاته السياسية، مطمئنًا أن وراءه قادة يستطيعون دحر العدو، وهي الجملة التي تسببت في ضياع أراضي من 4 دول عربية.
المشير عبد الغني الجمسي، وزير الدفاع الأسبق، يروي في مذكراته قصة تلك الجملة وسياق حديثها ورأيه فيما حدث بعد ذلك، فيقول «بدأ العد التنازلي للحرب عندما طلبت مصر في 16 مايو، سحب قوات الطوارئ الدولية الموجودة على حدودنا الشرقية والمتواجدة منذ عام 1956، وكان الرد على الطلب إنه يجب الرجوع إلى السكرتير العام للأمم المتحدة «يوثانت» باعتباره موضوع سياسي»
ويضيف وزير الدفاع الأسبق «وافق الرئيس عبد الناصر على إرسال الطلب عن طريق وزارة الخارجية وكان طلب مصر سحب القوات على الحدود الشرقية فقط لكن يوثانت كان يرى إما أن تنسحب جميع القوات أو لا وكان القرار المصري بسحب كل القوات وصدر يوثانت قراره في 18 مايو، لقد كانت الحملة الإعلامية ضد مصر في ذلك الوقت تتخذ من وجود قوات الطوارئ الدولية في سيناء مادة أساسية لإظهار ضعف مصر في الدفاع عن حدودها والتستر وراء هذه القوات لحمايتها الأمر الذي أصاب القيادة السياسية بالحساسية»
ويتابع «كان معنى سحب قوات الطوارئ الدولية أن تحل محلها قوات مصرية وهو أمر تنظر إليه إسرائيل نظرة خطيرة، إذ أدى إلى إغلاق المضائق أمام الملاحة الإسرائيلية، التي ظلت مؤمنة منذ 1956، واستغلت إسرائيل تلك الفرصة لتحويل الأزمة لحرية الملاحة العالمية، وتضامنت الدول الكبرى وهنا نشأ موقف جديد أمام التخطيط العسكري، وأصبح الصراع السياسي مركزا بين مصر وإسرائيل».
ويكمل «الجمسي»: «لقد كان طلب سحب قوات الطوارئ متسرعًا وكان يجب حساب النتائج؛ لأن هذا بدوره يضع سؤالا آخر، هل تغلق مصر خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية أم لا؟ وما تأثير ذلك؟ وكان هناك وقت لكل ذلك، واستمرت الأحداث، وكان الخيار أمام إغلاق المضايق أو فتحها والسماح للسفن الإسرائيلية بالمرور، ويوضح السادات أن عبد الناصر اجتمع مع اللجنة التنفيذية في أواخر مايو 1967 وحضر عامر وزكريا محيي الدين وحسين الشافعي وعلي صبري وصدقي سليمان وقال «ناصر»: إن حشودنا تجعل الحرب محتملة بنسبة 50%، أما إذا قفلنا المضايق فهي مؤكدة بنسبة 100% ثم التفت إلى عامر وقال له هل القوات المسلحة جاهزة يا عبدالحكيم فوضع عامر يده على رقبته وقال برقبتي ياريس»
ويشير وزير الدفاع الأسبق: «كنا نعلم أن تسليحنا شامل ولا شك، ولذلك عندما سألنا عبد الناصر وافقنا بالإجماع على إغلاق المضايق، ما عدا صدقي سليمان الذي طلب التروي، وأن نأخذ في الاعتبار الحالة الاقتصادية والخطط التي لم تستكمل، ولم يعره ناصر أي اهتمام».