أزمة الخصوص بين التوصيف والحل.. (2)
استكمالا لتوصيف أزمة الخصوص، نجد أن هناك بعدا سياسيا هاما يتعلق بتعامل النظام الحالى مع ملف الأقباط فى مصر، فعلى المستوى التنفيذى، منذ أن تولى الرئيس مرسى السلطة، لم يقم بإرسال أى رسالة طمأنة للأقباط، بل على العكس فقد قام باتخاذ عدد كبير من السياسات التى تتنافى تماما مع مبدأ المواطنة، بالإضافة إلى تخليه عن كافة الوعود التى قدمها للأقباط قبل فوزه، وتهميشهم سياسيا، وقيامه بتحويل الخطاب السياسى إلى خطاب دينى إسلامى بحت، من خلال حرصه على زيارة المساجد وإلقاء الخطب بها كوسيلة للتواصل مع شعبه، وامتناعه عن زيارة كنيسة واحدة منذ توليه السلطة.
بالإضافة إلى الموقف الغامض للأجهزة الأمنية -كأداة تنفيذية- تجاه الأزمة الأخيرة، وغيرها من الأزمات الأخرى المشابهة، وامتناعها عن ضبط المتسببين فى الأحداث، وتقديمهم للقانون، مما ساعد وسيساعد على تجدد هذه الأزمات بين الحين والآخر.
أما على المستوى التشريعى، فقد قام مجلس الشورى الحالى بإقرار قانون استخدام الشعارات الدينية فى الانتخابات، فى مشهد تبدو فيه السلطة غير آسفة على مبدأ المواطنة والوحدة الوطنية، بالإضافة إلى الواقعة الشهيرة لعدد كبير من أعضاء مجلس الشعب المنحل ممن رفضوا الوقوف دقيقة حداد على وفاة البابا شنودة.
أما على مستوى القضاء، والذى أعتبره -بناء على التدخلات الأخيرة لرئيس الجمهورية فى شئونه- جزءا لا يتجزأ من السلطة الحالية، فقد ساهم وبصورة كبيرة فى إلهاب الموقف، وتجرؤ البعض على الدين المسحيى، فمنذ أن تولى المستشار طلعت عبد الله منصب النائب العام.
وكل يوم نشاهد اتهامات تصدر من مكتبه ضد عدد كبير من الناشطين والإعلاميين تتهمهم بازدراء الدين الإسلامى، فمثل هذه الاتهامات تدفعنا إلى أن نسأل النائب العام ماذا عن ازدراء الدين المسيحى الذى نشاهده كل يوم علنا فى القنوات الفضائية الدينية، والتى وصلت إلى حد قيام أحد شيوخ هذه القنوات بحرق الإنجيل وتمزيقه؟!، فى مشهد يبدو فيه غير مترهب أو متخوف من أى سلطة أو عقاب.
أما فيما يتعلق بالبعد الإجرامى، فيجسده ممن عرفوا مؤخرا بمثيرى الشغب أو المندسين، والذين يعتلون المشهد فى أى أحداث أو مواجهات بغرض تأجيج الموقف وإلهابه، فلا يستطيع أحد أن ينكر أن من اعتلى أسطح الكتدرائية فى الأحداث الأخيرة مستخدما الخرطوش وزجاجات المولتوف لا يدفعه إلى ذلك تعصبه لأى دين سواء كان إسلامى أو مسيحى، وإنما دفعه إلى ذلك حسابات وأغراض أخرى معروفة للجميع.
وفى ضوء الأبعاد الثلاثة للأزمة الحالية، نستطيع أن ندرك جيدا أن ما شهدته مصر خلال الأيام القليلة الماضية، عبارة عن حالة احتقان طائفى واضحة، ساهم النظام الحالى بسياسته فى إظهارها، واندس بعض المأجورين لتأجيجها.
وانطلاقا من توصيف الأزمة وفقا لتلك الأبعاد الثلاثة التى سبق الإشارة إليها، لا يمكن حل هذه الأزمة واقتلاعها من جذورها إلا من خلال تطبيق مبدأين أساسيين، وهما المواطنة التى باتت غائبة عن الدولة المصرية ومن يحكمها اليوم، والقانون التى أصبحت ملامحه بمثابة مشهد مفتقد فى جميع أزمات الدولة.
nour_rashwan@hotmail.com