رئيس التحرير
عصام كامل

«الإدارية العليا» تحظر نقل نصب شهداء أكتوبر من الميادين العامة

مجلس الدولة
مجلس الدولة

قضت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود رئيس مجلس الدولة، بقبول الطعن المقام من رجب عبد الستار علي شقيق شهيد حرب أكتوبر عبد الفضيل عبد الستار ضد رئيس الجمهورية بصفته الرئيس الأعلى للقوات المسلحة، ومحافظ المنوفية، ورئيس مجلس ومدينة قويسنا، والمستشار العسكري لمحافظة المنوفية.


كما قضت المحكمة بإلغاء قرار الحكومة فيما تضمنه من نقل النصب التذكاري لشهداء حرب السادس من أكتوبر عام 1973 من ميدان نهاية شارع الجيش تقاطع صلاح سالم أمام الإدارة الزراعية بقويسنا بمحافظة المنوفية إلى مدرسة قويسنا الثانوية بنين، ووضع نافورة للإعلان مكان نصب الشهداء وما يترتب على ذلك من آثار أخصها عودة النصب التذكاري لشهداء حرب أكتوبر من رجال القوات المسلحة إلى ميدان شارع الجيش وألزمت الحكومة المصروفات.

وقالت المحكمة في أسباب حكمها برئاسة المستشار محمد مسعود وعضوية المستشارين أحمد الشاذلي والدكتور عبد الوهاب خفاجي وسامي درويش ومبروك حجاج، إن المشرع السماوي الحكيم قد كرّم الشهداء وأعلى من منزلة الشهادة في مواضع عدة من القرآن الكريم، منها قوله سبحانه وتعالى "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " الآية (169) من سورة آل عمران.

وأضافت أن هذا هو ما استلهمه واستهدى به المشرع الوضعي عندما أوجب على الدولة القيام بواجب تكريم شهداء الوطن عرفانًا لهم بما قدموه وبذلوه من تضحيات عظيمة، وجادوا بأغلى وأثمن ما يملكون من أجل تحرير كل حفنة من تراب هذا الوطن من أيدي المغتصب أو المحتل والزود عنه في ملماته، وإعادته إلى الحياة الطبيعية المفعمة بالأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار.

وأكدت أنهم قد يكونوا ضحوا بحياتهم من أجل الحفاظ على تنوع الوطن وتفرده وتماسك أطيافه وفئاته ومكوناته في أزمنة التحزب والفتن، أو لإقامة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي يقصي حكم الفرد أو العائلة أو الجماعة أو الحزب الواحد، مستهدفًا فتح باب المشاركة السياسية لكل مواطنيه على أسس التعددية السياسية، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، والتداول السلمي للسلطة، وتلازم السلطة مع المسئولية.

وأضافت المحكمة أنه لا يمر على مصر الكنانة إلا وينضم إلى قافلة شهداء الوطن علّم جديد، وآلاف من الشهداء يرفعون الرايات المعطرة بالدماء الزكية لتبقى راية الوطن عالية.

وأكدت أن الشعب المصرى بعراقته وأصالته وتاريخه التليد الذي استوعب ما يفوق سبعة آلاف سنة من الحضارة الخالدة وما استشرفه في نضاله الأسطوري وثوراته المجيدة – وفي القلب منها ثورة 25 يناير - 30 يونيو – من أحلام وآمال وتطلعات، لا يمكن أن ينسى أبناءه الشهداء الذين أدّوا الأمانة دفاعًا عن أرضه وعرضه ومقدساته؛ بمساجدها وكنائسها، ولا يستوي لديه من يعمل لنفسه ومن يضحي بحياته ليحيا غيره.

وقالت:"إذا كان من واجب الدولة تكريم شهداء الوطن، فإن هذا التكريم يظل منقوصًا لا يكتمل طالما لم يهتد بدربهم وتحقق أفكارهم وتجسد آمالهم لتكون واقعًا ملموسًا، فالدولة التي تخفي آثار شهدائها أو تدفن أفكارهم أو تبدد تطلعاتهم، تظلم شهداءها ولا تستحقهم".

وأوضحت المحكمة أنه يقع على عاتق الدولة التزام وواجب بأن تضع من التشريعات ما يكفل تحقيق التزامها الدستوري في المادة (16) من الدستور الحالي الصادر في 18 يناير 2014، بإنشاء هيئة أو جهة مستقلة تقوم على شئون الشهداء وترعى أسرهم ردًا لجزء من معروفهم.

وقالت:" ليس أقل من أن تتزين الميادين العامة في شتى ربوع الوطن بوضع النصب التذكارية لهؤلاء الشهداء حاملة أسماءهم وأفكارهم ومكان وزمان استشهادهم، ومُجسدة تلك التضحيات الغالية كتاريخ مجيد ينبغي أن يُحفر في أذهان الخلف عن سلفهم، وألا يترك سٌدى لتطويه صفحات العصور والأزمان، وأن يكون هذا التخليد في مكان يليق بهم ليتطلع إليهم المواطنون بكل فخر واعتزاز وليكون ذلك نبراسًا للكافة بتقدير الدولة لمن يفتديها ويضحى من أجلها".

وأضافت:" فإذا ما تلكأت جهة الإدارة في ذلك ووضعت أيًا من تلك النُصب التذكارية في مكان متواضع حال كون الأماكن الرفيعة متوافرة لديها فإن ذلك من شأنه الانتقاص من حقوق تلك الأرواح الطاهرة والدماء الزكية، وإخلالًا- في الوقت ذاته – بالمبادئ العامة سالفة الذكر، وهو ما لا يمكن القول به أو السكوت عليه".

واختتمت المحكمة أنه الثابت من عيون الأوراق، خاصة مُذكرة دفاع الحكومة المُقدمة بجلسة 18-4-2016، أن الجهة الإدارية أقامت النُصب التذكاري لشهداء حرب أكتوبر المجيدة مُتضمنًا أسماء الذين استشهدوا من مركز قويسنا محافظة المنوفية، ومن بينهم الشهيد عبد الفضيل عبد الستار علي – الذي استشهد في ميدان التضحية والشرف في 20-10-1973، وفقًا لما ورد بكتاب مدير إدارة السجلات العسكرية رقم 4118 -1473 ق، بتاريخ 20-12-1973 - أمام مبنى الإدارة الزراعية بالحديقة الكائنة بشارع الجيش تقاطع صلاح سالم بمدخل قويسنا.

وأضافت أن المحافظة ثم قامت بنقل النُصب التذكاري بذات أسماء الشهداء إلى مدرسة قويسنا الثانوية بنين، وأقامت نافورة للإعلان مكانه، ولما كانت الجهة الإدارية قد ذكرت سبب إصدارها للقرار المطعون فيه وهو " أن النُصب التذكاري كان مجرد بناء مهمل في حديقة غير مطروقة تحيط بها الأشجار التي تحجبه عن العيون مما يجعله مجردًا من قيمته التي أرادت أن تحققها الوحدة المحلية من وراء إنشاء النصب بما يجعل نقله إلى مدرسة قويسنا الثانوية أكثر وقعًا".

وقالت:"وكان يمكنها تهذيب الحديقة للناظرين ولما كان أعضاء المجلس الشعبي المحلي لمركز قويسنا وافقوا بجلستهم المنعقدة في 13-8-2002 على رفع توصية للوحدة المحلية لمركز ومدينة قويسنا بإعادة النُصب التذكاري لشهداء حرب أكتوبر المجيدة إلى مدخل مدينة قويسنا أمام الإدارة الزراعية بدلًا من مدرسة قويسنا الثانوية بنين.

وأشارت إلى أن نقل النُصب التذكاري على النحو المتقدم يجافي الغاية المبتغاة منه سواء بتكريم الشهداء أو غرس روح الوطنية والانتماء في نفوس المواطنين، فإنه يكون قد صدر مفتقدًا لركن السبب المبرر لصدوره ومشوبًا بعيب إساءة استعمال السلطة، مما يتعين القضاء بإلغائه.
الجريدة الرسمية