رئيس التحرير
عصام كامل

من يجرؤ على نقد وزير الداخلية!


في ملهاة هروب حبيب العادلي مؤشرات غير مطمئنة عن الدولة المنجرفة بذيولها ورؤسها في مستنقع الفوضى، وهذا الوضع لا يؤسس لدولة القانون، وإن الطابونة هو أقل وصف لدولة يهرب فيها وزير الداخلية السابق الذي كان يخضع للإقامة الجبرية وسط حراسة مشددة بعد صدور حكم بسجنه سبع سنوات، والمصيبة في تعامل وزارة الداخلية مع تلك المصيبة وكأنها حادث مروري فلا بيان ولا تفسير ولا إيقاف لمسئول ولا استقالة لوزير ولا موقف من مجلس النواب، وحتى إذا سلم نفسه أو ألقي القبض عليه فسوف تظل القصة وفِي هذا التوقيت لا تشرف وزارة الداخلية، لأن كل الملابسات تؤكد أن هروب الرجل كان متعمدا ويبدو فيها التواطؤ لدرجة أنه لم يحضر جلسة الاستشكال على الحكم.


ويزداد العجب بعد قول محاميه إنه أصيب بالشلل بعد إصابته بعدة جلطات ورغم هذا لا تعرف وزارة الداخلية مكانه بعد مرور أكثر من شهر على الحكم بسجنه، وحتى إذا سلم العادلي نفسه تبقى سيولة الموقف المستهتر للداخلية في كتابها للنائب العام إنها لم تستدل على عنوانه مما يثير الشكوك فيما بعد في قضايا أهم يفترض فينا أن نصدق وزارة الداخلية فيها، والأخطر تلك الرسالة الماجنة التي تقول نحن نحمي رجالنا حتى ولو صدرت ضدهم أحكام، ونتعقب من يعارضونا خارج مظلة القانون، وإن مذكرة التحريات جاهزة لإدانته واعتقاله بلا قواعد قانونية، بل لا أمان للأحكام القضائية خاصة في ظل برلمان يصدر تشريعات ليلا ليتم تنفيذها صباحًا.

ومن عجائب الأوضاع في مصر أنك تستطيع بمنتهى اليسر أن تنتقد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بل رئيس المخابرات ورئيس الرقابة الإدارية ولكنك ستدخل عِش الدبابير إذا تجرأت وانتقدت وزير الداخلية، لأن البعض منح هذا المنصب حصانة تاريخية وهمية، وأصبح هناك ما يشبه العقد غير المكتوب بين الإعلام والداخلية بعدم الاقتراب من الوزير، لأن إدارات الوزارة المتعددة تتدخل في حياة المواطن اليومية في أدق التفاصيل، بدءا من رخصة القيادة بالجوازات بالمطار بالسكة الحديد وانتهاء بتقارير أمن الدولة عند الترقي لأي وظيفة، وحتى إذا لم يكن المواطن ممن يعملون في دولاب الدولة فلدى الوزارة ما يعكنن استقرار أي مواطن وبعدما كانت الشرطة في خدمة الشعب أصبح الشعار عكسيا في أحيان كثيرة وربما كان السبب الرئيسي لفوضى ٢٥ يناير حماقة بعض صغار الضباط وتوحش حبيب العادلي.

ولا يعني ذلك إنكار الدور الجبار والمجهود الرائع لضبط الأمن وتوفير الاستقرار والطمأنينة وآلاف الشهداء الذين سقطوا لكي نعيش بأمان ونمارس حقنا في الحياة والنقد، وأعرف أن أي خطأ فردي مهما كان حجمه لا يصل إلى نقطة دم شهيد سقط دفاعا عنا، ولهذا وخلال وقائع يناير وعندما كان الجميع يذبحون الداخلية وكان الكثيرون يتبرءون من أي علاقة لهم بالوزارة، وعندما هجر الضباط زيهم الرسمي كنت الوحيد الذي دافع عن الداخلية ككيان وعمود أساسي من أعمدة الاستقرار للوطن، وأن خطة الفوضى تقوم بالأساس على تقويض هذا العمود حدث ذلك بالصوت والصورة على مدى 15 يومًا، بدءا مما سمي "جمعة الغضب" وحتى تنحي مبارك وتعرضت لكثير من السباب والاتهامات، حتى إنني خرجت أؤكد مرتين أنني ربما أكون من الإعلاميين القلائل الذين لم تكن لهم في أي يوم صلة بأي جهاز أمني في هذا البلد حفاظًا على الاستقلالية وأستغفر الله كثيرا لتكرار لفظ أنا ولكنها الضرورات التي تمنع المحظورات، وكان الظن أن دروس ٢٥ يناير وتوابعها ومقدماتها ستصبح العبرة للداخلية ولأي وزير، ولكن مرة أخرى لأن آفة الداخلية النسيان عادت ريما لكل عاداتها القديمة، وتصور السيد الوزير وبعض رجاله أن مفاتيح الرزق في التجمع حيث مقر الوزارة الجديد إذا تجرأت ومارست حقك الطبيعي كصحفي ومواطن في نقد ما تراه خطأ ويظن الرجل أيضًا أنه باستطاعته أن يعز ويذل من يشأ ولا يدري أن تلك صفات ربوبية..

ومنذ حادث اغتيال النائب العام وما تلاه من إخفاقات، كحادث الطالب الإيطالي ريجيني والطائرة الروسية ومصيبة الكمائن الثابتة في شمال سيناء وتوحش بعض الضباط وأمناء الشرطة وأنا أنتقد الأداء الأمني، وكنت أعتقد أن من يمدح وينتصر للشرطة في إنجازاتها من حقة أن ينتقدها إذا حدث العكس، ولكن الوزارة أو للأمانة بعض رجالها لا يقبلون بتلك المعادلة بمعنى أنك إن لم تكن معنا ظالمين ومظلومين فأنت ضدنا، وتقاريرنا الأمنية ستلاحقك أينما كنت وربما تلاحق ذويك لأجيال، والأمر كذلك أقترح أن يصدر الأمن الوطني توصيفًا للمواطن الصالح كنص لأنه لا عقوبة بدون نص لأن في الفم مياه كثيرة لم يحن الوقت بعد لكشفها.
الجريدة الرسمية