الحروب الاقتصادية وحرب العملات
لعل كتاب حرب العملات الذي كتبه "جيمس ريكاردو" الذي عمل استشاريا لوزارة الدفاع والاستخبارات الأمريكية، هو أكثر الكتب دقة وإلمامًا بأساليب الحروب الاقتصادية من خلال العملات الوطنية، وهي قد تؤدي إلى نوبات مفزعة من الركود والتضخم بل والعنف والإرهاب، ويحقق استفادة دول وشركات استثمارية دولية من موارد دولة نامية بأقل قيمة لاستنزاف وإفقار دول لصالح أخرى.
وقد حدثت حروب العملات مرتين في القرن الماضي، عموما المشهد الدولي يضع مؤشرات لمشهد حرب قادمة وقد أشار لها وزير المالية البرازيلي صراحة، ولعل الدول تلجأ لخفض قيمة العملة لتحفيز الصادرات وتحجيم الاستيراد، ولكنها كانت السبب في إيقاظ الركود العظيم الذي أدى لانهيار التجارة العالمية أيضًا في السبعينيات، عندما زاد سعر النفط أربعة أضعاف بسبب سعي أمريكا لخفض قيمة الدولار أيضًا أزمة الجنيه الإسترليني ١٩٩٢ إلى أزمة البيسو المكسيكي ثم أزمة الروبل الروسي.
ومن المفارقات في نوعية حرب العملات أن المحرك لها دولي ولكن أسبابها محلية بسبب ضعف النمو المحلي وما يتبعها من بطالة وعجز الموازنة فيصبح دعم الصادرات هو المخرج الأوحد ولكن التعريف الشامل للنمو من خلال 4 عناصر بمعادلة حسابية: إجمالي الناتج المحلي= الاستهلاك + الاستثمار + الإنفاق الحكومي + صافي الصادرات ( طرح الواردات من الصادرات)، ولعل ما ينصح به الاقتصادي كينيث هو استمرار الحكومة في الإنفاق ولكن عندما تكون الحكومة مواردها من الضرائب والديون فإن أسهل طريق هو خفض قيمة العملة.
وهناك عنصر اقتصادي خطير هو لجوء العديد من الدول الصناعية القوية لذات الآلية (تخفيض العملة) كدول أمريكا أوروبا والصين في ذات الوقت كمنافسة عالمية شرسة منذ ٢٠١٠، مما قد لا يؤدي لنتائج قوية في زيادة الصادرات إذا طبقتها دول متأخرة صناعيًا في ظل العولمة وإصابة الاقتصاد العالمي بالكساد.
لعل اتباع أساليب الحماية وفرض تعريفات جمركية هي خطوة أهم لحماية الصناعات الوطنية مع الأخذ في الاعتبار اتفاقية التجارة الحرة ( الجات) التي تعوق هذا الفعل.
وعن الحرب المرتقبة فرغم قوة عملات دول البركس أو الين أو الدرهم الإماراتي ولكن إجمالي الناتج القومي لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين يشكل ٦٠٪ من الناتج العالمي بما يمثل الثقل الاقتصادي ولا ننسى مجموعة العشرين بتأثيرها، لذا فقد بدأت الحرب بين الدولار والين الياباني ثم اليورو والين، وبالطبع فإن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة لاعبان أساسيان في التوازنات، ولعل الأخطر في عمليات خفض قيمة العملة هو توجه رءوس الأموال للأصول الثابتة مما قد يصيب النظام المالي العالمي بالانهيار مما قد يجعلها آخر حروب العملات كما صرح وودرو ويلسون.
ويتحدث ريكاردز عن حرب حقيقية شرسة وتنفيذ هجمات بخطط متكاملة باستخدام الصناديق السيادية والإرهاب وأجهزة المخابرات والإنترنت عموما فإن أسعار الأسهم والسندات وعلاقاتها بسعر الفائدة هي علاقات معقدة وقد لا تؤدي لتدمير اقتصاد أما انهيار العملة هو تدمير شامل للاقتصاد الوطني.
عمومًا فإن العولمة الاقتصادية تحققت الموجة الأولى منها منذ ١٨٨٠ إلى ١٩١٤( ونشأت الحرب العالمية الأولى والثانية ) ثم الموجة الثانية في ١٩٨٩ إلى ٢٠٠٧ ( الأزمة الاقتصادية) ونحن نعيش الموجة الثالثة عالميا منذ ٢٠١١ بالاعتماد على الإنترنت والذكاء الصناعي.
أما عن شكل الحرب العالمية الثالثة فإن الدولار في موقف غامض لأن حقوق السحب قد تحميه ( الاحتياطيات التي يحددها صندوق النقد الدولي) ولكنه أيضًا معرض للانهيار وقد يؤدي انهياره ذلك إلى انهيار حضاري على كوكب الأرض.. لكن المتوقع هو نشوء حالة من الفوضى المالية المفزعة التي قد يعجز القوى العالمية في كبح جماحها قد تؤدي لانهيارات دول بأكملها.
عمومًا فإنه على الرغم من أن الحرب بدأت ولكن يمكن حصر المخاطر جزئيًا وهناك من خطوات الحماية التي قد توفر أمنا جزئيا ضد هذه الحرب العالمية المتوقعة سنتحدث عنها في مقال لاحق.