رئيس التحرير
عصام كامل

يوسف إدريس يرثي أمل دنقل بـ «قانون موت الشاعر»

يوسف إدريس و أمل
يوسف إدريس و أمل دنقل

في جريدة الأهالي، مايو عام 1983، وبعد وفاة الشاعر أمل دنقل بأيام كتب الأديب يوسف إدريس مقالا قرأه في الاحتفالية التي أقامها حزب التجمع بذكرى الشاعر الراحل قال فيه:


«منذ أن مات نجيب ويحيى وصلاح وأمل.. منذ أن مات المتنبى وأبو العلا.. منذ أن مات الحلاج وهيمنجواى وجاليليو وتشى جيفارا وأنا أتساءل لماذا يموت الشاعر؟

هل يموت لأن القبح يسود والجمال يتقلص؟ هل هو ينتحر بالإرادة لأنه يئس من العالم؟ هل يموت من فرط حبه للمغامرة وعشقه للخطأ والخطر؟.. هل يموت مهموما لأن الألم في الدنيا أكثر؟

وهل يموت ليقول للعالم كلمة عجز عن قولها بحياته.. أم لأن من يخونونه ويرهبونه ويأكلونه حيا بعد أن عجزوا عن قهر نتاجه..
أم أن موت الشاعر حدث مثل غيره من أحداث الحياة لا معنى له بالمرة.. عبثا يولد الشاعر وعبثا يقول وعبثا يموت.

أم أن موت الشاعر لأنه لم يعد يتلقى من الناس حبا مخفوقا بالحسد والكراهية من حوله غريب الدار في داره بلا وطن وهو في وطنه.

أبدا لا يموت الشاعر لأنه أصبح الأضعف أمام أعدائه المزيفين.. وما قتل الزيف أبدا حقيقة...أبدا لا يموت الشاعر من كثرة الخناجر، فخناجر أعداء الشاعر مبارد تشحذ نصله وأبدا لا تكسره.

ولا السرطان يقتل الشاعر فالسرطان حياة مغلوطة تقضى فقط على حياة مغلوطة.. أما الحياة.. حياة الشاعر فلن تقضي عليها أبدا أي حياة حتى ولو كانت مغلوطة.

وحتى الموت لا يميت الشاعر.. وحياة الشاعر تذكرة ذهاب وإياب بين الحياة والموت.. يحيا ورأسه على يده.. يقول الكلمة وهو مستعد أن يلاقى الموت جزاؤها، وقد يذوق الموت والإعدام وقد يموت فعلا ولكن الموت أبدا لا يميت الشاعر، بل الجنون نفسه ولا الجن ولا الفاشيست ولا السى آى إيه ولا هتلر ولا شارون.. ولا إنس ولا جن لا يستطيع أن يقتل الشاعر.

بل إن الحب لا يقتل الشاعر.. ذلك الصاعق الماحق المتوهج الشجاع الخبيث الأرعن، فالحب يحيى الشاعر، والحب الناجح يحيله إلى مغن والحب الفاشل يجعله فيلسوفا.

أذن لماذا يقتل الشاعر؟ أجل يموت حين ييأس من أن يشاركه أحد الرؤية، تمام الرؤية.. ولست هنا في مقام إيضاح رؤية أمل دنقل مما حصلته منها نتف متفرقة.

وأمل دنقل الرؤية كان رؤية.. مستحيلة أن يراها سواه وإلا كنا جميعا أمل دنقل.

حين صاحبت أمل في أخريات حياته كنت رفيقه.. كل يوم وكل قهقهة عالية.

أيها السادة نحن في حضرة أمل دنقل.. عبقرية انتهت منذ أيام وإلى ألف عام من الآن إلى مسافة تماما مثل التي كانت بين المتنبى وأمل دنقل.

سنظل ننتظرها ولن أطلب منكم الوقوف حدادا، فنحن إذا وقفنا حدادا سيكون حدادا على عصر طويل قادم، حدادا على العصر الذي سيمضى حتى يسب فيه رجالا لهم شيم الرجال الذين كان يراهم أمل دنقل، وكرم الرجال الذين كان يحلم بهم أمل دنقل.
الجريدة الرسمية