وليمة لديدان القبر
يموت الإنسان، كل إنسان، ولا يستثنى من ذلك أحد، وحتى تغريدات البعض ممن يعبثون بالتاريخ عن كرامات وعن اشتراطات، إن فلان لا يموت، وقد يرغب بالبقاء لا أهمية لها. بينما القرار هو لله الذي خلق الأكوان والإنسان، وكل ما على الأرض من دواب وشجر، وكل ما فيه روح، حيث سيفني الجميع ولا يبقى إلا هو سبحانه، ولهذا فإننا نردد القول الشريف، الحمد لله الذي قهر بالموت عباده، فلا يعود من أثر لمتكبر ومتجبر وملحد ومنكر للبعث والقيامة طالما أن الجميع سيقبرون في حفر، أو تحرق جثثهم، أو يرمون في البحر فتأكلهم الأسماك، أو تلتهمهم رمال الصحراء والوحوش الضارية.
يسارع الناس إلى وضع الميت من البشر في حفرة، ويهيلون عليه التراب، ولو بقي لساعات لتعفن وانتفخت جثته، وخرجت منه رائحة لا يطيقها بشر ولا حيوان، فينادي المنادي، إكرام الميت دفنه، فبقاؤه تعذيب للناس، وإهانة له. وحين يدفن وقد نعود لنطلع على حاله فنجده تحول إلى كومة عظام لا أثر لحياة فيها، ونتساءل أين ذهب اللحم والدم والعظام، وأين تلك العيون وذلك اللسان؟ ولكن لا جواب.
ترى أيها أفضل: أن تحمل الجثة الهامدة إلى القبر لتكون وليمة للدود؟ أم أن يتبرع الإنسان ببعض أعضاء جسده الحيوية لمريض ومعتل؟ ربما سيكون الجواب الأعم أن الناس يفضلون أن يكون ذلك ويتبرع الجميع بأعضائهم، ولكننا بحاجة إلى ثقافة أكثر حيوية وفعالية تدفع بالناس لكي يتبرعوا بأعضائهم بعد مماتهم، فتلك الأعضاء في النهاية ستتعفن، وقد صرخ أحد ضيوف برنامج تفاعلي كان يناقش هذا الموضوع مخاطبا الناس، للإنسان أم للديدان، بمعنى هل ترغب أن تكون أعضاؤك حية في جسد غيرك بعد مماتك، أم أن تذهب معك إلى القبر فتتعفن ويأكلها الدود؟
تبرع العديد من المشاهير والقادة والملوك والحكام بأعضائهم الحية، وأقروا ذلك قبل وفاتهم ما يعني أن ذلك يمثل دفعة قوية للإنسانية لتستمر بوعيها المتصاعد لكي تستمر الحياة، وما أجمل أن تكون الأعضاء التي كانت في جسد مات صاحبه حية في جسد جديد منحته الأمل والحياة والمستقبل.