أوقفوا مهازل التنقيب عن الآثار
هاجت الدنيا وماجت، لأن بعثة مصرية أعلنت عن كشف أثرى كبير في تونا الجبل.. مقبرة تضم ٤٠ مومياء ولا أعرف سر هياجها، ونحن من يفرط في المستقبل فكيف نتعامل مع الماضي.. فالواقع يؤكد أنه ليس لدينا متاحف ولا نحن أمناء على عظام أجدادنا فما الذي يدفعنا للانتشاء بكشف أثرى في تونا الجبل أو في غيرها مما تنبت أرض أجدادنا الذين لم يجدوا منا إلا كل نقيصة ودنية.
أستطيع أن أقول وأنا مطمئن لدقة وصحة ما أقول إننا سنطالع بعد سنوات قليلة جدا تقارير صحفية تتحدث عن ثلاثة أمور، أولها سرقة مومياوات تونا الجبل وثانيها تعرض مومياوات تونا الجبل لمخاطر، ومساع مصرية للتعاون مع جهات أجنبية لإنقاذها، أما ثالث هذه الأمور مطالبات أثرية بإعادة مومياوات تونا الجبل إلى مكانها حفاظا عليها بسبب عدم وجود متاحف تستوعبها!!
إن صحف العالم ومواقع بيع التحف في كل الدنيا، تشهد يوميا عمليات بيع وشراء وتداول لقطع أثرية مصرية بعد أن اتسعت رقعة التجار ووصولها إلى العامة الذين سمعوا كثيرا عن قصص الثراء الرهيب لمسئولين كبار على مدار التاريخ، تورطوا في تهريب آثار مصر وتاريخها فتحول العمل المعتاد في ريف البلاد وحضرها.. في صعيدها ودلتاها.. في كل البقاع أصبح التنقيب عن الآثار هو الطريق لتحقيق الأحلام والهروب من قاع الفقر المزعج.
إن اكتشافات بعثات اللصوص أضعاف أضعاف ما كشفته البعثات الرسمية أجنبية كانت أم وطنية، حتى أصبح التسويق هو المعضلة التي تواجه البعثات الشعبية، فوصلت الأسعار إلى مستوى متدن للغاية قد يصل إلى أسعار القطع الصينية المقلدة في بازارات خان الخليلي.. على أن بعثات الحالمين بثراء سريع أقل كلفة وتتم في جنح الليل وتتسم بالغموض أحيانا والشعوذة أحايين أخرى.
إن هذا التاريخ ملك للبشرية كلها وقد أثبتت الأيام أننا غير أمناء على تاريخ الإنسانية فلماذا لا نتركه تحت رحمة الأرض بعيدا عن الإهمال واللصوصية أو أن تكون لدينا الشجاعة لندعو العالم لإنقاذ تاريخ البشرية من عبث المصريين، ولنضعه تحت الحماية الإنسانية عالميا، بدلا من أن يتحول كما تحول إلى سوق رخيصة يتورط فيها الكبار والصغار بلا رحمة.
زيارة واحدة لما آلت إليه أوضاع المتحف المصري ستدرك ساعتها أننا قساة على تاريخنا وتاريخ البشرية كلها.. قطع أثرية قتلها الإهمال.. تماثيل تشكو للرحمن ما فعله الإنسان المصري بها.. قطع ذهبية استبدلت وأخرى سرقت دون أن نعرف حتى الجناة.. مواقع أثرية أصبحت خاوية على عروشها.. أهرامات تؤجر لإقامة أفراح أمراء دون وازع إنساني أو رحمة بتاريخ كان شاهدا على عظمة الإنسان وقدرة الإنسان وعمارة الإنسان.
أوقفوا هذا النزيف حتى يصبح في مصر بشر يعرفون قدر تاريخهم.. أوقفوا التنقيب ودعوا الأرض تحمي ما لا نستطيع حمايته.. لا تفرحوا باكتشافات هي نهاية وليست بداية لتاريخ مصري عظيم!!
