رعاع أم حرافيش!
أخبر الأب ابنته أن هناك طالبة في جامعة حلوان اشتكت من تحرش المعيد بها، وقبلها بأيام تم تحويل عميد كلية في جامعة بني سويف للتحقيق في مكالمات منسوبة له مع طالبات، ولأن هذه الحوادث متكررة، لذا أصبح من الواجب تحذير البنات من التواجد في الأماكن المزدحمة، والمظلمة، والجامعات!
سمعت الفتاة نصيحة والدها وتوجهت إلى الجامعة متسلحة بالعلم وسلاح كهربائي مضاد للتحرش، بينما جلس الأب ليشاهد التليفزيون الذي كان يعرض إعلانات النصب وقراءة الأبراج، فقرر تجاهلها ليستكمل قراءة الجريدة، فوجد بها تأكيدا من محافظ البنك المركزي بأن الأسعار ستعود كما كانت خلال العام القادم لذا ترك الجريدة وفضل أن يعود لمشاهدة إعلانات النصب.
عادت زوجته من الخارج ومعها أوراق ترغب في استكمالها لتجديد البطاقة التموينية، فسألته عن وضعهم الاجتماعي وإذا كانوا فقراء أوي أم رعاع أوي!
لم يهتم بالإجابة على سؤالها وأخبرها فقط بأنهم من "الحرافيش" الذين إذا فقدوا الأمل يُشعلون الثورات ولكن ما يمنعه من التفكير الآن في روايات نجيب محفوظ هو انشغاله بالتفكير في رواية (الهروب الكبير) لبول بريكهيل لأنه عرف أخيرًا مدى ضآلة جنود الحلفاء الأسرى الذين خططوا واجتهدوا للهروب من سجن الألمان في الحرب العالمية الثانية وتكبدوا في سبيل ذلك عناء حفر الأنفاق الطويلة وفي النهاية فشل معظمهم في الهروب.. بينما حبيب العادلي، المولود قبل الحرب العالمية الثانية، استطاع وحده ودون أنفاق أن يهرب.
جاءت ابنته من الجامعة، فاطمأن عليها بعد أن أفزعه خبر وفاة طالبة جامعية أخرى وهي حفيدة الزعيم محمد فريد التي رحلت في حادث تصادم في القاهرة لتبكيها قلوبنا، ويذكرنا صغر سنوات عمرها بأن إهدار الأرواح بكثافة على الطرق المصرية جزء من منظومة فاشلة تؤكد أن نمط الحياة الذي كافح الزعيم "فريد" وغيره من أجل تحقيقه أصبح بعيد المنال لتصبح الحياة في مصر وكأنها (الخروج من الجنة)، وهو عنوان فيلم للفنان فريد الأطرش الذي يدل لقبه على أننا مهما اشتكينا أو نصحنا أو بكينا على أحوال الوطن لن يسمعنا أحد أبدًا.