الكفر وسنين الكفر
بمناسبة الضجة المثارة حاليًا حول مسألة التكفير التي امتد نطاقها كثيرًا، دون أن نعتني بفهم حقيقة مصطلح "الكفر" وقد توارثنا الأفهام القديمة في هذا الشأن، دون أن نضبط هذه الأفهام على القرآن الكريم، فكل آيات القرآن الكريم تتحدث عن معنى واحد للكفر هو "الستر والتغطية" أي إن الكافر هو من علم الحق ثم أنكره ولم يتبعه، وهذا معنى يختلف عن معنى "عدم الإيمان" لأن غير المؤمن هو واحد من بني البشر خلق الله له عقلًا، أي إنه لم يخلق عقل نفسه، وعقله هذا الذي خلقه الله له لم يقتنع بالإيمان، سواء بالله أو بالإسلام أو بالدين الفلاني أو العقيدة الفلانية، ولكن ما يعنينا هنا هو عدم الإيمان بالإسلام هل هو كفر أم ماذا؟..
فلتنظر معي وتقرأ بروية وهدوء، وانظر لواحد من الناس من غير المسلمين، حيث رأى هذا الإنسان دعاة يدعون للإيمان بالإسلام، وهم يقطعون رقاب عباد الله ثم يُكبِّرون "الله أكبر الله أكبر" ثم رآهم يشرحون الإسلام للناس فيقولون عنه قولًا بشعًا لا يقبله عقل أو قلب سليم، هذا المسكين الذي لم يخلق عقل نفسه، ولم يسمع عن الإسلام من أهله إلا الشر لم يؤمن، فإذا بالله يقضي عليه بدخول النار أبد الآبدين بلا انتهاء، لأن الشيخ فلان والحبر علان والتابعي زيد قالوا عنه إنه كافر! أين العدل في هذا القول والله هو العدل، ألست معي في هذا؟! ولله المثل الأعلى ولكنني سأضرب لك مثلًا، أتقبل مثلًا أن يخلقك الله ضعيف الفهم، ثم يُدخلك النار لأنك لم تفهم؟!.
أما الكفر فقد قال الله عنه "فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا" هؤلاء جاءتهم الآيات والعلامات فأدركوا الرسالة والنبوة، واستيقنت أنفسهم أنها صحيحة، ولكنهم مع ذلك جحدوا بها وأنكروا صحتها، لمجرد الظلم والعدوان، ولذلك يقول الله للرسول صلى الله عليه وسلم عن كفار قريش "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون"..
أي إن المسألة هنا ليست متعلقة بعدم تصديقهم لك، إذ إنهم يعلمون أنك نبيٌ أرسلك الله بالهداية، ولكنهم حجبوا هذا العلم جحودًا، والدليل على ذلك أنهم قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم:" وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا" أي إنهم وبوضوح يعلمون أن الرسول نبي مرسل من قبل الله، وأن الذي جاء به هو الهدى، ولكنهم ينكرونه بسبب مصالحهم المادية والاجتماعية، هل هناك أوضح من ذلك؟ أما الذين لم تصلهم الرسالة فلم يؤمنوا، أو وصلت لهم الرسالة مشوهة فلم يؤمنوا بها، فأولئك ليسوا كفارًا، غاية ما في الأمر أنهم غير مؤمنين، ويا لهذا التكفير وسنينه!!.