أسباب تمنع مصر من صناعة ألبان الأطفال.. الشركات الوطنية لا تتحمل تكاليف الإنتاج.. التنافسية عائق أمام المصانع.. وهولندا وألمانيا تستحوذان على المواد الخام
يعتمد 2.6 مليون طفل في مصر على الألبان الصناعية لمدة عامين، ويتطلب لهذه الألبان تقنيات خاصة مختلفة في الصناعة، ذات مواصفات قياسية وضعتها منظمة الصحة العالمية، وهي تجبر كل شركات إنتاج الألبان المخصصة للأطفال في العالم أن تطبقها في كل الدول.
ونظرا لحساسية الأطفال تجاه الألبان، واعتماد كل طفل على نوع معين من اللبن يختلف عن الآخر، ولأن ألبان الأطفال تحتاج إلى احتوائها على عناصر تكسب جسم الطفل المناعة، تكون شبيهة للبن الأم، كل ذلك يشكل صعوبة في إنتاجها.
وزارة الصحة
المصنع الوحيد الموجود في مصر وقالت وزارة الصحة أنها سوف تبدأ في الاعتماد على إنتاجه بداية من العام المقبل لا ينتج الألبان بشكل كامل، بل مجرد مصنع للتعبئة يستورد البودرة من الخارج، ويضيف عليها العناصر الغذائية المكملة للمواصفات القياسية للألبان.
وأكد عدد من الصيادلة والمختصين في مجال صناعة ألبان الأطفال أن مصر حاليا لن تكون قادرة على التنافسية في صناعة الألبان، لعدم وجود المادة الخام، وهي بودرة اللبن لعدم وجود ثروة حيوانية حقيقية من الأبقار يمكن الاعتماد عليها.
وقال الصيدلي أسامة حسن، مدير تجاري مسئول عن منطقة الشرق الأوسط لإحدي الشركات الأمريكية المتخصصة في مصانع إنتاج ألبان الأطفال: مصر لا تستطيع إنتاج ألبان الأطفال بداية من المادة الخام حتى خروج عبوة اللبن من المصنع صالحة للاستخدام، والمصنع الموجود حاليا منذ 2000، وأعلنت عنه وزارة الصحة للتعبئة فقط، يستورد بودرة اللبن من الخارج، وليس لديه مزارع لإنتاج الألبان، ومصر ليس لديها القدرة على إنتاج ألبان لعدم وجود أبقار حلوب تكفي.
وأشار إلى أن لبن الأطفال مكون من جزء أساسي "Skimmed milk" وهو لبن منزوع الإضافات والدهون والدسم، وتصنع ألبان الأطفال من اللبن البقري وكل 100 كيلو حليب من البقر، يصنع منه وفقا للدراسات 9 كيلو لبن بودرة خالي الدسم.
102 مليون عبوة
وأوضح أن استهلاك مصر ما يقرب من 102 مليون عبوة، سواء المدعم الذي توفره وزارة الصحة أو الموجود بالسوق المحلي في الصيدليات، وتلك الكمية تحتاج إلى ما يقرب من 25 مليون طن لبن بودرة، ولكي يتم الحصول عليها من الأبقار تحتاج مصر إلى كميات كبيرة، مؤكدا أنه ليس لدى مصر ذلك الكم أو قدرة الأبقار بها على إنتاج تلك الكميات من الألبان.
وأضاف أن البقر البلدي الموجود في مصر حاليا لا يمكن الاعتماد عليه في إنتاج ألبان الأطفال ولا يكفي، مشيرا إلى أن تجمعات الأبقار في العالم المسجلة في نيوزيلاندا تضم 40 مليون رأس بقر حلوب، ومنطقة شمال ووسط أوروبا تضم 70 مليون رأس بقر، وفي أمريكا اللاتينية تضم 30 مليون رأس بقر تنتج لبن خام التركيبة الأساسية للبن.
ولفت الانتباه إلى أن لبن الأطفال يعتمد على تركيبة أساسية وفقا لمواصفات عالمية موضوعة من قبل منظمة الصحة العالمية، وكل الدول تسير عليها مفروضة على شركات الألبان.
وأشار إلى أنه يتم وضع إضافات عناصر غذائية عليها تحدد سعرها، فمثلا لو سعر التركيبة الأساسية 30 جنيها، مع إضافة مصادر كيميائية أو طبيعية، أو أنواع مختلفة من الفيتامينات تحدد تكلفة السعر لذلك تختلف أسعار اللبن في مصر التي تتراوح ما بين 40 أو 60 أو تتخطي 100 جنيه، خاصة وأننا نحتاج إلى نسب حديد وبروتين في الألبان لارتفاع نسبة الأنيميا بين الأطفال في مصر، وأمراض التمثيل الغذائي- على حد قوله.
المصنع الموجود في مصر منذ 2000 وتم إغلاقه، حسبما أكد الصيدلي إبراهيم حسن، مجرد مصنع تعبئة يستورد المادة الخام وهي بودرة اللبن، ويضيف عليها العناصر الغذائية التي يجب أن تتوافر في ألبان الأطفال داخل الماكينات فقط، بتقنية قديمة لم تعد تطبق في العالم كله الآن، وتعبئة اللبن وإضافة مكملاته من فيتامينات وحديد عليه، أمر سهل، لا يمثل تكلفة مالية في حالة وجود مزارع الأبقار في مصر، وإنتاج المادة الخام.
وأشار إلى أنه يتم استيراد 102 مليون عبوة بما يقرب من 300 مليون دولار، تكلفة استيرادية فقط تدفع للشركات الأجنبية، بخلاف التكاليف الداخلية في مصر من شحن وجمارك وضرائب وهكذا.
ولفت إلى أنه يمكن لذلك المبلغ أن ينشأ 10 مصانع ألبان على شاكلة المصنع الموجود حاليا للتعبئة فقط، حيث يمكن بـ30 مليون دولار، إنشاء مصنع بطاقة إنتاجية 120 مليون عبوة.
وكشف أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عند فصل مصر عن السودان أنشأ منفذا يسمي "حدربة" للكشف البيطري على على كل الحيوانات في أفريقيا، سواء تلك التي تأتى إلى مصر أو أي دولة أخرى تباع فيها وفقا لبروتوكول للتعاون البيطري بين الدول غير مفعل.
200 مليون بقرة
وأشار إلى أن منطقة حوض النيل تضم ما يقرب من 200 مليون بقرة في مناطق الحصاحيص وشمال شرق وادي حلفا تضم مراعي للبقر، ويمكن لمصر على مستوى الدولة التعاون مع دول أفريقيا في استيراد تلك الأبقار.
وشدد على أن الدول الأفريقية يمكنها أن تستورد الألبان من مصر، خاصة إثيوبيا والجزائر التي تنخفض بها معدلات الرضاعة الطبيعية.
وأوضح أن تكلفة استيراد عبوة اللبن كمتوسط تبلغ 3 دولارات في مصر، وهو لبن درجة ثالثة معدل وراثيا، لكن بتصنيع اللبن درجة أولى يمكن أن تبلغ تكلفته 1.6 دولار، أي سيتم توفير ما يقرب من 140 مليون دولار فرق سعر في السنة الواحدة.
وقال: إذا نجحنا في تصنيع المادة الخام للألبان فيمكن أن نتصدر دول المنطقة، إلا أن الثروة الحيوانية في مصر معدومة، ولا توجد قدرات فنية أو بشرية تستطيع ذلك"، كما أكد أن المنظومة تحتاج إلى تنسيق بين وزارتي الصحة والزراعة، لكي يوجد مشروع قومي للحلب في مصر، خاصة وأن مصر تعتبر أغني دول قارة أفريقيا.
شعبة أصحاب الصيدليات
الدكتور محمود عبدالمقصود، رئيس شعبة أصحاب الصيدليات باتحاد الغرف التجارية قال:"مصر ليست دولة منتجة للألبان، وعدد الأبقار الحلوب المنتجة للبن قليل في مصر، والأنواع الجيدة تتركز في دول أوروبا وأستراليا".
وأكمل: "مصانع الألبان في مصر غير المختصة بألبان الأطفال أيضا تعتمد على الاستيراد المواد الخام من الخارج، حتى لو لديها مزارع للأبقار تحصل منها على جزء فقط، وتعتمد على الاستيراد من الخارج، وأى مصنع سوف يتم إنشاؤه لألبان الأطفال أو المصنع الوحيد الموجود حاليا للتعبئة فقط، ويحتاج إلى تكنولوجيا عالية، كما أن مصر لن تستطيع أن تنافس في مجال إنتاج الألبان".
وأضاف: "وحتى إن تحقق ذلك، ونجح المصنع الموجود حاليا في الإنتاج فكل مواده الخام مستوردة، وسوف تكون التكلفة للعبوة مرتفعة، وليست منخفضة الثمن".
وواصل حديثه: "مواصفات الألبان الأطفال مكونة من عدة بنود، كلما انخفضت المواصفات بها انخفض سعرها، واللبن المستورد المتوفر في الصيدليات حاليا يختلف عن الموجود في الخارج في أوروبا مثلا، لأنه يتم تصنيعه خصيصا وفقا للمواصفات التي تطالب بها لجان أطباء الأطفال لاختيار أنواع الألبان".
وقال:"لا داعي لإيهام المواطنين أن مصر ستكون دولة قادرة على إنتاج الألبان، اللبن الذي قام بتصنيعه المصنع الموجود حاليا الذي أعلن عنه وزير الصحة سقط في اختبارات الزرنيخ قديما في 2005، حيث كنا نفتح عبوات الألبان نجد رائحتها كريهة لا تطاق وانشغل الرأي العام بها إلا أن الناس حاليا تنسي التاريخ".
نقيب البيطريين
وأضاف الدكتور خالد العامري، نقيب البيطريين: صناعة لبن البودرة والمواد الخام في مصر من خلال الاعتماد على استيراد الأبقار من الخارج، ولدينا مزارع في مصر تضم 300 و400 رأس بقر، ويمكن زيادة تلك الأعداد في حالة وجود إرادة من الدولة لتشجيع إنشاء مزارع الأبقار، تضم أجود أنواع البقر من العالم، ومع الرعاية البيطرية الفائقة يمكن تصنيع منتج لبن صالح خال من الأمراض، يستخدم للاستهلاك المحلي سواء للكبار أو تحويله لبودرة تستخدم في مصانع ألبان الأطفال.
وتابع: "الدولة عليها أن تشجع الاستثمار في تربية أبقار الحلوب إذا كانت تريد إنشاء مصنع حقيقي لإنتاج ألبان الأطفال في مصر عبارة عن أرض ومحلب، ونوفر الأبقار عشار من ألمانيا وهولندا، وتوفر لها الرعاية وتوفر الأراضي الزراعية لها لزرع غذاء الأبقار، إلا أن ذلك سيأخذ من نصيب المساحات المزروعة لغذاء البشر، خاصة وأن الرقعة الزراعية في مصر صغيرة والمياه محدودة".