رئيس التحرير
عصام كامل

يوسف زيدان: صلاح الدين قضى على ممتلكات دار الحكمة ودمر 18 هرما

الكاتب يوسف زيدان
الكاتب يوسف زيدان

أجاب الكاتب يوسف زيدان عن سؤاله الذي طرحه منذ قليل، عن مكتبة دار الحكمة وما حدث للأهرامات.

وجاءت إجابة زيدان على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» على النحو التالى:


أما مكتبة دار الحكمة بالقاهرة، فقد أجمع المؤرخون ( السُّنة والشيعة والأجانب ) على أن صلاح الدين قام بتدميرها فاختفت من الوجود، بعضهم قال إنه أحرقها، وبعضهم الآخر قال إنه باعها بأبخس الأثمان، وبعضهم قال إن الكتب أُلقيت في الطرقات، فمن استطاع أن يستحوذ على بعضها، فعل، ومن أراد أن يشعل بها نيران الأفران، فعل.

خلاصة القول الراجح عند المؤرخين، إن صلاح الدين أفنى المكتبة بأن حرق بعضها ومزقه وباع البعض الآخر أو تخاطفته يد العوام وجُهّال الناس، ولضخامة هذه المكتبة وثراء مقتنياتها التي تجاوزت مليوني مخطوطة نادرة، استغرق تدمير صلاح الدين لها عدة سنوات، وكانت المهمة تتم بإشراف وزيره البشع، الطواشي ( المخصي ) المشهور بالغباء والظلم: قراقوش.

والعجيب أننا نصف التتار بالوحشية والهمجية، لتدميرهم مكتبة بغداد، وعند دمار مكتبة دار الحكمة ومكتبة القصر الفاطمي الكبير بالقاهرة على يد صلاح الدين، نسكت، ولا نصفه بشيء، والمبرّرون للحكام كل شيء، يزعمون أن صلاح الدين بدّد المكتبة وتخلص من محتوياتها، لأنها كانت تحوي كتب المذهب الشيعي، وهو زعمٌ باطلٌ من أساسه وليس من الاحترام أن يقول أحد بمثله، لأن كتب المذهب (الشيعي، الإسماعيلي) لم يكن عددها بهذه الضخامة.

وكان يمكن لصلاح الدين، أن ينتقي كتب المذهب المزعومة فيتخلص منا ويحتفظ بالباقي، لكنه كان شخصًا يكره العلم والمعرفة، ولذلك أفنى المكتبة عن آخرها بكل ما كان فيها والأعجب أنه كان يدعي نصرة مذهب السنة، ومع ذلك، لم يُنشئ مكتبة لمذهبه ولا لأي مذهب، علما بأن المكتبات ليست مرتبط بمذهبٍ ما دون غيره..

يكفي الفاطميون فخرا أنهم أقاموا المكتبات وزوّدوها بالكتب، ويكفي مدمرها خزيًا أنه أبادها ولم ينشئ غيرها، وإنما بني لنفسه قلعة يحتمي بها، ويفرض منها سلطانه على الناس، وجعلها مشرفة على القاهرة وملتصقة بها، لأنها في واقع الأمر قلعة "شُرطية" وليست عسكرية بالمعني العميق للكلمة.

وأما الأهرامات، أراد صلاح الدين أن تكون القلعة التي يحتمي بها حصينةً عالية الأسوار، ولم يُرد أن يُجهد نفسه في تقطيع حجارة البناء من جبل المقطم، القريب جدًا قلعته (مخبأه) التي نسميها اليوم "قلعة محمد على"، فقام صلاح الدين بتدمير 18 هرمًا من الضفة الأخرى للنيل "الجيزة" واستعبد الناس فنقلوها له إلى حيث أراد البناء، دون أي اعتبار إلى قيمة الآثار وأعمال الأولين التي دعا القرآن الكريم لتأمُّلها واتخاذ العبرة منها، ودون أي اعتداد بأنه مملوك اغتصب السلطة بانقلابٍ فصار ملكًا.

ولم يكن قد قدّم للناس أي شيء إذا حدثت هذه المخازي، قبل معركة حطين وتصالحه على القدس، بقرابة عشر سنوات ودون أي خجل مما يفعله، والأدهي، أن فعله هذا صار منهجًا لأمثاله، فقامت أسرته بتهديم آثار الفراعنة لاستعمال أحجارها لبناء ما أرادوا بنائه، وقام بذلك من بعدهم أمثالهم (المماليك) بل اعتادوا هذا الفعل القبيح الدال على الجهل والاستهانة بالآثار والظن بأنها كالأصنام الواجب تدميرها.

وهذا النهج ذاته الذي تسير عليه اليوم "داعش" التي دمرت آثار العراق، وإخوانهم "طالبان" الذين دمروا تمثالي بوذا في بلدة باميان الأفغانية، ( والغافلون من أهل زماننا، اليوم، يظنون أن الماضي غير مرتبط بالحاضر).

وأجمع المؤرخون، وعلى رأسهم المقريزي ( أهم مؤرخ مصر ) على أن صلاح الدين وأسرته والمماليك الذي حكموا من بعده، على طريقته، حاولوا هدم الهرم الأكبر "خوفو" والهرم الأوسط "خفرع" وكان الهرم الثالث "منكورع" مدفونًا آنذاك تحت الرمال فلم يروه، وحاولوا هدم الهرمين، وبذلوا مجهودًا جبارًا لإتمام هذه الجريمة، ففشلوا لضخامة البناء وتماسُك الأحجار وعلو أفعال الملوك عن مقدرة المماليك.
الجريدة الرسمية