رئيس التحرير
عصام كامل

وهعمل لي حزب جديد.. وهيييه!


لم تكُن قعدة أنس وفرفشة كما قد سيبدو من الحوار، لكنها قعدة عادية جدًا، لدرجة أن أقصى مُنحرف فيها كان بيشد شيشة، والمنحرف اللى قبله بيدخَّن سجائر مصرية، نظرًا لضيق الحال، بعدما تسبب تعويم الدولار في إقلاعه عن تدخين "الإل إم"، قال لنا يومًا إنه مشتاق لواحدة إل إم حمرا، وأن درجة اشتياقه لرائحتها فقط تجعله يرتضى بتدخين "الإل" لوحدها من غير "الإم" لكنه مش لاقى!


قام ذات مرَّة بتتبع واحد من مشترى "الإل إم" من كشك السجائر الذي اعتاد التعامل معه نقدًا أو بالتقسيط حسب الوضع الاقتصادى، وانتظره حتى أشعل السيجارة، واقترب منه خلسة وأخذ في تشمم الدُخان كأنه (روى) يبحث عن أداة الجريمة في فيلم الشموع السوداء، المُهم أن باقى المنحرفين في القعدة كانوا بيشربوا قهوة وسحلب، وبيلعبوا دومينو، ورزع أحدهم الدُش هاتفًا "صايمة" بعدما كسب العشرة، فأجابه الخاسر بتوجيه اللعنات إلى سلسفيله قائلًا بتهكُم: "جاك داهية في أمك، قال يعنى كسبت انتخابات الحزب!"

كان سياسيًا محُنكًا، شارك في عدد من المسيرات، وبح صوته بالهتافات، انتمى لما لا يقل عن سبعة عشر حزبًا، قبل أن يتركهم أو يتركوه لأسباب أيديولوجية أو بسبب مؤامرات، وأحيانًا علشان الكراسى مكانتش بتكفى اجتماعهم في المقر؛ إذ قال لنا ذات ليلة إن عدد أعضاء الحزب كان كبيرًا جدًا، لكن المكتب التنفيذى الجاهل لم يمتلك الوعى الكافى لتدبير المقاعد اللازمة لاجتماع تاريخى جمع الأعضاء ببعضهم البعض لاختيار مقرر الحزب؛ لأن طبعًا رئيسه معروف، وهو اللى اشترى الكراسى والترابيزة وبرَّاد الشاى، وقام بتأجير شقة المقر!

أقسم لنا وهو يبكى بدل الدموع دمًا أن سبعة من الأعضاء فضلوا واقفين طوال الاجتماع التاريخى، بينما جلس ستة على الست كراسى اللى في المكتب، وهذا ما حزَّ في نفسه، وقرر يستقيل من عضوية الحزب، وانتقل لحزب آخر كانوا بيشربوا الشاى فيه أكثر من أربع مرَّات أسبوعيًا، وهذا في حَد ذاته نشاط سياسي مُبشِّر، لا سيما وأن تعاونهم في إعداد الشاى كان يعلمهم بشكل عملى طريقة إدارة الدولة كما قال لنا!

عم (بشرى) كان بينزل يشترى باكو شاى العروسة، فقرروا في أمانة الحزب تعيينه وزيرًا للتموين، والأستاذ (سامى) هو المسئول عن الحصول على كيس السكر بسعر أقل من سعر السوق، نظرًا لعلاقته المتينة بأحد التُجار التموينيين، اللى بيخبى السكر عن المواطنين ويجبرهم ياخدوا بداله صابونة، فقررت أمانة الحزب تعيينه وزيرًا للخارجية بسبب ذلك، أما وزير الأشغال فقد كان يقوم بإعداد الشاى بعد غلى المياه، ووزير النقل يحمل الصينية حتى يصل لمقر الاجتماع، والكُل قاعدين على كراسى مش زى الحزب الجربان الآخر، ويشربوا ويتناقشوا في منح وزراء آخرين المزيد من الحقائب الوزارية، واحدة للطعمية والجرجير لزوم الفطار، وأخرى للزبالة علشان وزيرها يرميها على الناصية وهو مروَّح وهكذا!

قال لنا وهو يجمع قطع الدومينو بإهمال مُتعجل في صندوقها، مُعلنًا رغبته في عدم الترشح لخسارة جديدة "صايمة"، أنه سأم من حياة الأحزاب العشوائية وقرر يعمل له حزب لوحده، ليس أقل من الآخرين، بالعكس تجربته الثورية والسياسية والمسيرية والحنجورية تؤهله لذلك، سيكون هو رئيس الحزب بالتأكيد، خاصةً بعدما تعب وشقى ونجح في إيجاد أوضة فوق السطوح في الشرابية، واتفق مع الخطاط يكتب له اليافطة "الحزب الحُر الثورى التقدمى الاجتماعى الديمقراطى الإسلامى الوطنى القومى"!

أكد أن كُل مقومات الحزب الناجح موجودة عنده، بعدما اقترض من الحاجة والدته برَّاد شاى كبيرا، وعدد 12 كوباية كُل ستة منهم بشكل، من اللى جمَّعتهم خلال هدايا أعياد الأم الأخيرة، وأن أخاه اللى راجع من الخليج كان هيرمى الأنتريه القديم اللى اشتراه من المناصرة مُنذ عشرين عامًا، بعدما ربنا فتحها عليه وهيقدر يشترى واحد جديد من (قاصد كريم بيومى)، فاستسمح شقيقه إن ياخد الأنتريه علشان يحُطه في المقر، مع 12 كرسى خرزان وقُرمة وبلاستيك قام بتجميعها من سوق الجمعة، علشان محدش يقف أثناء الاجتماعات المهمة، وبعدين يتقمص ويسيب الحزب زى ما هو عمل سابقًا مع حزب آخر!

أكد أيضًا أنه اشترى عدة بوسترات لـ(جيفارا) و(جمال عبد الناصر) و(سيد قطب) و(لينين) و(جيهان فاضل) علشان يعلقها على حوائط المقر، مؤكدًا أن الحزب يتطلَّع لزيادة أنشطته الثقافية والترفيهية والسياسية والفنية، وواعدًا كُل مَن ينضم للحزب أن يمتلك أحقية الترشح للهيئة البرلمانية للحزب، والتي سيكون مسئوليتها محاولة عمل أي مداخلات في أي برنامج فضائى، للترويج لبرنامج الحزب الذي سيتم وضعه بواسطة خبراء زى اللى قاعدين حوالينا، خصوصًا بتاع السجاير المصرية اللى بيتمنى شمّة إل إم!

قال بإباء وشمم "كُنت عايز أترشَّح للرئاسة الدورة الجاية، لكن كُل وقتى حاليًا هيكون لتنمية الحزب وترسيخ أقدامه في الحياة السياسة، ثم أن مفيش ضمانات كافية لإقامة انتخابات ديمقراطية، علشان كده مُمكن أفكَّر في عمل تحالف مع بعض الأحزاب الزميلة لانتقاء مُرشَّح واحد نتفق عليه".. سألت جار المشغول بالشمشمة عن سيجارة إل إم عن طبيعة التحالف بين الأحزاب فأكد لى "هيحطوا شاى العروسة على شاى أم حسن، ويقعدوا يشربوا كُلهم سوا في الأزهر بارك، واحتمال يجيبوا عيش وطعمية ويعملوها ساندوتشات".. ثم صمت قليلًا وقال بانفعال: "عليا الطلاق لو فيهم حَد بيشرب إل إم هروح أنضم للحزب دة فورًا وألزق فيه"!
الجريدة الرسمية